ألا فزاحِموا مواكبَ الفِداءِ أيها المجاهدون لقد حال بينكم وبين بيت الله الحرام الحوائل وأعاقكم ...

ألا فزاحِموا مواكبَ الفِداءِ

أيها المجاهدون لقد حال بينكم وبين بيت الله الحرام الحوائل وأعاقكم عن الطواف به العوائق، وأنتم معذورون في ذلك فلم تستطيعوا إلى البيت سبيلا، وكلكم يتمنى لو زاحم مناكب الحجيج في أطهر البقاع وأشرف الأزمان، ولكن قضاء الله والحكم حكمه، فلئن كان الحال كذلك ألا فزاحموا مواكب الفداء ولبّوا نداء الجهاد وانطلقوا كل في ثغره فشدوا على عدوكم وابذلوا أنفسكم تقبل الله بذلكم، واضربوا رقاب الكافرين واسفكوا دماءهم تقبل الله أضاحيكم كما كان دأب إخوانكم من قبل.


المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد 497
" يا جنود الله هبوا "
...المزيد

طُول الأَمَل • عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، ...

طُول الأَمَل


• عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: (كُنْ فِي الدنيا كأَنَّكَ غَريبٌ، أو عَابِرُ سَبيلٍ). وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". [رواه البخاري].


قال الإمام ابن رجب: "هذا الحديث أصلٌ في قِصَر الأمل في الدنيا، وأنَّ المؤمنَ لا ينبغي له أن يتَّخذ الدنيا وطناً ومسكناً، فيطمئنّ فيها، ولكن ينبغي أنْ يكونَ فيها كأنَّه على جناح سفر: يُهَيِّئُ جهازَه للرحيل.

وقد اتَّفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنّه قال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}

- وصّى النَّبي صلى الله عليه وسلم ابنَ عمر أنْ يكونَ في الدنيا على أحد هذين الحالين:

• فأحدهما: أنْ ينْزِل المؤمن نفسه كأنَّه غريبٌ في الدنيا يتخيَّلُ الإقامةَ، لكن في بلد غُربة، فهوَ غيرُ متعلِّقِ القلب ببلد الغربة، بل قلبُه متعلِّقٌ بوطنه الذي يَرجِعُ إليه، وإنّما هو مقيمٌ في الدنيا ليقضي مَرَمَّةَ جهازه إلى الرجوع إلى وطنه.

• الحال الثاني: أن يُنْزِلَ المؤمنُ نفسَه في الدنيا كأنَّه مسافرٌ غيرُ مقيم البتة، وإنَّما هو سائرٌ في قطعِ منازل السَّفر حتّى ينتهي به السفرُ إلى آخره، وهو الموت. ومن كانت هذه حالَه في الدنيا، فهمَّتُه تحصيلُ الزاد للسفر، وليس له هِمَّةٌ في الاستكثار من متاع الدنيا". [جامع العلوم والحكم]

- مخاطره على العبد

قال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ} عن مخاطره: "يورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض ويميل إلى الهوى.. كما أن قصر الأمل يبعث على العمل، ويحيل على المبادرة، ويحث على المسابقة" [التفسير]



* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 499
السنة السادسة عشرة - الخميس 16 ذو الحجة 1446 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 499 الافتتاحية: • التربية الأمنية جنبا إلى جنب مع ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 499
الافتتاحية:

• التربية الأمنية

جنبا إلى جنب مع التربية الإيمانية والجهادية؛ تشتدّ حاجة المسلم إلى التربية الأمنية العملية، في ظل اشتداد الحرب على الإسلام وطليعته المجاهدة، القائمة بأمره الساعية إلى تحكيمه، الباذلة كل ما تملك في سبيل سيادته وإعلاء كلمته.

وكغيرها من العمليات التربوية؛ تهدف التربية الأمنية إلى تنشئة الفرد المسلم أمنيّا وتنمية الحس والوعي الأمني لديه مبكرا، أي إنها تتعلق ببدايات هذا الفرد، سواء كان شبلا في مخيمات الأهوال، أو ناشئا في معاهد إفريقية والصومال، أو فتيّا متوثّبا في أرياف الشام، أو جذوة متقدة فوق قمم خراسان، أو حتى جلدا صبورا في عراق الإيمان؛ وسواء كان هذا الفرد مهاجرا للتو حطّ رحاله في أرض الجهاد، أو مجاهدا فاتته التنشئة الأمنية، فلزمه أن يجلس مجالسها ويقصد ميادينها ليعاد تأهيله أمنيا ولو بالحدّ الأدنى الذي يبلّغه مهامه، ويحقق له مقصود جهاده ويقيه شرور أعدائه.

وهي مهمة جماعية لا تقتصر على الجهاز الأمني كما يُتوهم، بل يبدأ الإخفاق الأمني عندما يتم برمجة الجنود والأفراد على أنّ الأمن وظيفة خاصة بالأمني! وليست سلوكا وممارسة وفراسة وحسّا؛ بل واجبا شرعيا ينبغي أن يمتثله كل مجاهد داخل الجماعة، بدءا من الشرعي ومرورا بالعسكري، وليس انتهاء بالإعلامي الذي تزداد حاجته إلى الوعي الأمني في ظل احتكاكه المباشر بالعالم الخارجي المعقّد المملوء بالمتربصين.

غير أننا لا نقصد بالتربية الأمنية ما تقصده الأنظمة الطاغوتية بالأمن الذي هو الخوف من الطاغوت والرضوخ له والسكوت عن باطله وشرعنة كفره، وإنما على النقيض تماما، فالأمن الذي ننشده ونسعى لتنميته في شخصية المسلم، هو الذي يؤسس لإسقاط هذه الأنظمة الكافرة، وضرب أمنها واستقرارها وصولا إلى اقتلاعها وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها.

كما لا تهدف التربية الأمنية في الإسلام إلى إعداد "مواطن صالح" كما يسميه العصرانيّون، فهو في عُرف الدول المدنية ودساتيرها الجاهلية؛ كائن خانس خانع متثاقل إلى الأرض لا يحارب الشرك ولا يقارع الجاهلية، بل يلتزم نظامها ويداهنها ويسايرها؛ وإنما تهدف التربية الأمنية إلى إعداد مسلم مجاهد متيقّظ متفطّن لما يُحاك له ويتربص به في كل ساحة من ساحات الحرب العالمية مع الكفر.

في الجانب الإجرائي، ينبغي التركيز في التربية الأمنية على "العنصر البشري" بالدرجة الأولى، أي على الفرد المسلم الذي يجب إعداده وصقل خبرته الأمنية ليكون أهلا للقيام بالمهام الموكلة إليه في ميدان الجهاد، سواء كان ذلك في ديار الإسلام أو ديار الكفر، فالفرد هو "رأس مال" التربية الأمنية، وهو "ربحها"، وهو "خسارتها" إنْ أهمل وقصّر فيها.

شرعيًّا، أمر الله تعالى المؤمنين بأخذ الحذر عموما فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}، وأمرهم بأخذ الحذر والسلاح معا، ونهاهم في ميدان المواجهة عن الغفلة أو الانقطاع عن ذلك الحذر المسلّح حتى في الصلاة التي هي قرة عين المؤمن وموضع خشوعه وانقطاعه عن الدنيا فقال سبحانه: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ... وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}، واليوم لا شك أن الأرض -كل الأرض- غدت ميدان مواجهة مفتوحة مع العدو الماكر المتربص الذي لا يألو جهدا في تتبّع المجاهدين للإيقاع بهم وضرب قدراتهم، ولئن كانت الحروب العسكرية تتوقف بتوقُّف مدافعها وقاذفاتها؛ فإنّ الحروب الأمنية لا تتوقف ولا تهدأ أبدا.

والسيرة النبوية تضمنت كثيرا من التطبيقات العملية للتربية الأمنية التي برزت في رحلة الهجرة وبيعة العقبة والغزوات والسرايا وغيرها، وتاريخ الخلفاء الراشدين حافل كذلك بالنماذج والممارسات التي تعكس براعة الشخصية الأمنية التي صُقلت في ظلال دولة الإسلام الأولى، فالتربية الأمنية في الإسلام ليست مبحثا مُستحدثا عصريا، بل هي امتداد لماضٍ أمني إسلامي زاخر بالنجاح والحصانة والوقاية والتأهُّب، ضمن حركة الإسلام الدؤوبة لتحقيق التوحيد وقمع الشرك، إذْ لا أمن للبشرية بغير التوحيد لا في الدنيا ولا في الآخرة.

أما عن مجالات التربية الأمنية فهي شاملة واسعة تستوعب جميع ميادين العمل الجهادي، وتشمل الأمن الشخصي، والأمن التقني، وأمن الاتصالات، وأمن المعلومات، وأمن المنشآت كالمضافات، وأمن المواصلات والتنقّلات، وأمن الاجتماعات، وأمن سلاسل التوريد؛ والأخيرة هذه صارت ثغرة يدخل منها العدو إلى داخل البنية الجهادية لضربها وتحييد كوادرها، فهذه المجالات ينبغي للمجاهد تعلّمها والسعي لامتلاك أدواتها، أو على الأقل الإلمام بأساليبها، بحيث إنْْ لم تكن في قبضته؛ لا يكن في قبضتها.

ومن المهم اتباع منهجية أمنية واضحة محدّثة تتجاوز عقدة الدراسات الأمنية التقليدية التي أكلها الزمن ولم تعد صالحة لمواجهة التحديات المستجدة، بل صارت تأتي بنتائج عكسية لمن ركن إليها وأوقف تجربته الأمنية عند حدودها.
...المزيد

وهو ما يقودنا إلى ضرورة جعل التوعية الأمنية عملية مستمرة من خلال وضع خطط وضوابط ومحددات أمنية ...

وهو ما يقودنا إلى ضرورة جعل التوعية الأمنية عملية مستمرة من خلال وضع خطط وضوابط ومحددات أمنية واضحة، ترسّخ الوعي الأمني لدى المجاهد، ولسنا هنا نتحدث أبدا عن الجانب النظري والكتب والموسوعات والمطويات، وإنما نتحدث عن الممارسة والسلوك والتطبيق الأمني الواعي الذي يقوم به المجاهد اقتناعا وطواعية، وقد يُنهي المجاهد قراءة كثير من موسوعات الأمن وكتبه ومطوياته، ولا يكون قد بلغ الكفاية الأمنية التي تمكّنه من المواصلة وتُحصّنه من الأخطار المضادة؛ ما لم يمارس الأمن عبر مسار أمني حاسم لا يتعداه ولا يخرج عنه، مع ضرورة اتباع الحزم في تقييمه ومراقبة تطبيقه، لأن التقصير الأمني معصية شرعية متعدية يتعدى خطرها الفرد المقصّر إلى سائر أركان الجماعة.

إن من المهام الرئيسة للتربية الأمنية التحصين والوقاية من التهديدات والأخطار الداخلية والخارجية، وصولا إلى حفظ استقرار الجماعة ونموّها وقدرتها على مواصلة طريقها، وإهمال التربية الأمنية والتساهل فيها، يعني بالضرورة تهديد استقرار الجماعة وتقويض بنيانها والتفريط بتضحيات وجهود ودماء أبطالها.

وبناء على ما تقدّم، فالتربية الأمنية ضرورة شرعية وحاجة ميدانية ماسة ينبغي أنْ يخوضها المجاهد منذ اليوم الأول لالتحاقه بصفوف المجاهدين، بل حتى قبل ذلك وهو في ميدان المناصرة؛ حتى تصبح سلوكا فطريا متجذّرا لديه لا ينفكّ عنه في سعة أو شدة، ولن يتم ذلك حتى يدرك المجاهد أهمية هذا الثغر وخطورته على حد سواء، والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 499
السنة السادسة عشرة - الخميس 16 ذو الحجة 1446 هـ
...المزيد

• كيف نقاتلهم؟ فإذا عرفت أخي المجاهد هذا النوع من الحيل الحربية، فعليك أن لا تقع في هذا الفخ ...

• كيف نقاتلهم؟

فإذا عرفت أخي المجاهد هذا النوع من الحيل الحربية، فعليك أن لا تقع في هذا الفخ القديم المكرر، واحفظ القاعدة الذهبية في قتال الطيران أو أي سلاح دقيق الإصابة: "هدف العدو هو أن يعرف مكانك، وهدف المجاهد هو ضرب العدو بدون كشف مكانه".

وقد سبق نشر مقالة في (النبأ) عن التمويه وعن التصوير بأنواعه وكيف يمكن التخفي عن أنواعه المختلفة.

ولذلك يجب وضع الخطة للرباط بحيث يكون موقع المجاهدين مخفياً بشكل جيد، ويجب عدم التكاسل عن أي إجراءات تُخفي موقع نقطة الرباط، بل إن تقليل عدد مرات التزود بالطعام وإلغاء التنقل بين النقاط، وتهيئة كل نقطة رباط بحيث لا يحتاج المجاهد للخروج منها، كل هذا وغيره يُعد من أهم الاستعدادات التي تساعد المجاهد على تحييد الطيران وإلغاء دوره في المعركة بإذن الله، وليست الشجاعة وحدها هي الحل للطيران، فإذا لم نقم بالإجراءات الصحيحة للقتال تحت الطيران فإن الشجاعة لا تكون حلاً كاملاً للمشكلة.

ومن الأخطاء القاتلة في القتال تحت الطيران تجميع أعداد كبيرة من المقاتلين في نقاط رباط متقدمة باتجاه خطوط التماس مع العدو، فإن العدد الكبير أو الصغير لا ينفع مع الضربات الدقيقة للطيران، والعدو ينتظر دائماً وقت المعركة ليضرب هذه النقاط المكشوفة قُبيل التقدم على الأرض، فلا يجب استخدام هذا الأسلوب في الدفاع، فقد أصبح قديما بالياً بعد دخول الطيران إلى المعركة، والذي ينفع -بإذن الله- هو أن نحتفظ بالقوة المدافعة المُرابطة مخفيةً، فلا يتمكن الطيران من استهدافها حتى يحين وقت صد هجمة العدو، وعندها يكون الطيران غير قادر على التدخل، خصوصاً إذا انتظر المدافعون حتى يتقدم العدو إلى مسافة قريبة جداً قبل الاشتباك معه، وهذا يمنع الطيران من التدخل بسبب تداخل المجاهدين مع العدو، وﻷن تحديد موقع المجاهدين وموقع جنود العدو يحتاج وقتاً، فإذا حافظ المجاهدون على ضبط الحركة باستمرار فلن يتمكن الطيران منهم، بإذن الله.

ومن أكبر الأخطاء في القتال تحت الطيران أن تنظر إلى الأرض فقط، وتنسى أن الحرب ليست فقط على الأرض، وأن العدو له القدرة على استهدافك من فوق، فمثلاً إذا قمنا بمحاصرة قوات العدو في مكان ما مثل بناية أو بيت، فعندها يبدأ هذا العدو التنسيق مع الطيران عبر أجهزة الاتصال المحمولة معه، وحينما يصبح واضحاً لدى الطيران أين يجب أن يضرب فسيقوم باستهداف المجاهدين رغم صغر المسافة بينهم وبين العدو، وفي هذه الحالات يجب أن يعلم المجاهد أنه إن لم يتمكن من ضرب العدو المحاصر فوراً، فعليه أن يتركه ويذهب للاختفاء والمباغتة من مكان جديد، فإن هذا الحصار ليس في صالحه، وإذا بقي مكشوفاً فسيتعرض لضرب الطيران، والطيران في هذه الحالة يعرف مكان جنوده الذين يريد إنقاذهم، وسيضرب أي شيء آخر.

واحفظ أخيراً هذه القاعدة "إنهم يفعلون كل شيء ليعرفوا مكانك، فافعل كل ما بوسعك للاختفاء عن أنظارهم"، والحمد لله رب العالمين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 97
الخميس 23 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

ولكي ينجح هذا فلا بد من الانضباط وعدم الوقوع في فخ العدو الذي يغري المجاهدَ بالرماية من مسافة ...

ولكي ينجح هذا فلا بد من الانضباط وعدم الوقوع في فخ العدو الذي يغري المجاهدَ بالرماية من مسافة كبيرة، وكذلك فلا بد من تحضير أماكن الرباط الجديدة، وتهيئة وتمويه مداخلها مسبقاً لكي يكون ممكناً أن تنتقل نقاط الرباط بسهولة إلى المكان الجديد المُعدِّ مسبقاً.

إن طريقة العدو التي وصفناها في القتال أصبحت اليوم تسمى "الاستطلاع الناري" وهو مصطلح يعني أن تطلق النار قبل معرفة موضع العدو بهدف إخراجه للرد وبالتالي تحديد مكانه واستهدافه، ويجب على المجاهد الذي يقاتل في هذه الحروب الحديثة أن يفهم هذه الحيلة بشكل جيد، ﻷن فهمها هو مفتاح طرق القتال الحديثة، بتوفيق الله.

وفي الحرب الحديثة ذات الأسلحة الدقيقة، يحاول الجميع عدم الاشتباك بعدوِّه مباشرةً، وذلك لتقليل الخسائر، ولذلك يُستخدم الاستطلاع الناري بكثرة، فهو خدعة يستخدمها الجميع للحصول على إحداثيات العدو ثم استهدافه بالمدفعية أو بالطيران أو حتى بالهجوم الاستشهادي، فإن معرفة موقع عدوك هو أول وأهم معلومة عسكرية عنه، ولا يوجد عمل عسكري ناجح من دون هذه الخطوة.

فالعدو النصيري يستخدم الاستطلاع الناري عن طريق غزوات وهمية سريعة ليعرف حجم القوات الموجودة ونوع أسلحتها ثم يُعِدُّ القوة المناسبة للهجوم على المنطقة.

وأما جنود الدولة الإسلامية فقد كانوا يرسلون طائرة مسيرة صغيرة من الفِلِّين إلى مناطق العدو ثم يخفضون ارتفاع طيرانها ليسمع صوتها جنود العدو، وكان هذا كافياً لمعرفة كل شيء عن أسلحة العدو في هذه المنطقة، ومن التصوير تستطيع أن ترى كل سلاح وموقعه وغير ذلك مما يساعد في التحضير للغزوة القادمة، أو للتحضير لصد القوة المعادية المتقدمة التي نستطلعها.

وهذا الاستطلاع لا يحتاج إطلاق النار على العدو بل فقط إشعاره بالخطر، وسوف يخرج المرتدون من جحورهم ويبدؤون بالرماية باتجاه الطائرة الصغيرة التي تصورهم جميعاً مع كل أنواع أسلحتهم، ويتم تحديد نوع السلاح من حجم دائرة اللهب ومن الصوت، وهذه الخطة لا تفشل إذا عرفها العدو ﻷن جنوده في غالبهم غير مدربين على التخفي، ولا يعرفون كم يؤذيهم أن نعرف أنواع أسلحتهم ومواقعها عند التعامل معهم في أرض القتال.
...المزيد

• حتمية تطوير أساليب القتال إن الله لم يخلق داءً بلا دواء، علم الدواء من علمه وجهله من جهله، وإن ...

• حتمية تطوير أساليب القتال

إن الله لم يخلق داءً بلا دواء، علم الدواء من علمه وجهله من جهله، وإن أخوَف ما يخافه العدو هو تحييد طيرانه وإخراجه من المعركة، وهذا ما يجب أن يكون هدف كل مجاهد فطن، وتحييد الطيران الموجود في السماء يتطلب المعرفة بكيفية استخدام العدو له أولاً، ثم تغيير طريقة القتال لتناسب قواعده الجديدة، وإن إيجاد السبل للتعامل مع هذا العدو تتطلب مرونة عالية في التفكير، وتتطلب التخلي عن المسلَّمات والعادات التقليدية القديمة في القتال، ومدار الأمر كله على الاجتهاد، فإن النصوص الشرعية لم تلزمنا بخطة قتال أو نوع سلاح بل تُرك هذا لأهل الاجتهاد.

وحالما بدأ المجاهدون بالاجتهاد في تمويه المدفعية والمركبات في نهايات معارك عين الإسلام، بدأ العدو أيضاً يغيِّر طرقه في القتال لكي يحتفظ بفعالية طيرانه، هذا الطيران الذي هو تقريباً سلاح الصليبيين الوحيد الذي أثبت فعاليةً في هذه الحملة الصليبية الأخيرة، فزاد من أعداد طائرات الاستطلاع في سماء المعركة، لكي يتمكن بالتصوير الحراري من تحديد أماكن الأسلحة حين استخدامها، فحين ترمي المدفعية النار يكون تحديد موقعها سهلاً، ثم يأتي دور استهدافها، وكان وقتَها كثير من المجاهدين ينامون على أسطح البنايات لا يعلمون أن التصوير الحراري يصورهم ويصوِّر أسلحتهم، وقد وقعت خسائر في تلك الفترة سببها الرئيس هو نقص العلم بكيفية عمل طيران الصليبيين وما هي إمكانيات هذا الطيران.


• ضرورة فهم إمكانيات العدو

قاعدة مهمة: "إذا كان لديك سلاح يستطيع ضرب أي هدف بدقة كبيرة، فإن ما ينقصك هو فقط معرفة موضع العدو".

فإذا كنت تقاتل في أرض معركة يوجد فيها طيران استطلاع واستهداف دقيق، فإن الخطوة الأولى لعمل العدو هي معرفة مكانك، والاستهداف يأتي ثانياً، ولذلك فإن هدفك الأهم هو إخفاء مكانك، ومن هنا تبدأ قصة القتال الحديث كلها، لأن القتال مع إخفاء الموقع يتطلب تغييرات جذرية في طريقة القتال والتخطيط، وهذا لا ينطبق فقط على القتال ضد الطيران الأمريكي بل ضد الروسي أيضاً، فإن الطيران الروسي وإن كان يفتقر إلى الدقة، فإنه لا تنقصه الكثافة النارية، وبهذه الكثافة النارية تتساوى نتيجة الضربة الواحدة الذكية الدقيقة مع نتيجة ألف ضربة غبية غير دقيقة، ولهذا فإن الوقاية من كليهما لا تختلف من حيث المبدأ، والمبدأ الأساسي يبقى دائماً هو "القتال من موقع لا يعرفه العدو، وتغيير المكان فوراً إذا عرفه العدو".

• العدو أيضاً يتطور

حينما بدأ جنود الدولة الإسلامية بإخفاء مدفعيتهم وأنفسهم عن طيران العدو، بدأ العدو يتطور بالمقابل كي لا يفقد أفضلية الطيران، فزاد من عدد الطائرات العاملة، وكذلك فقد انتبه العدو إلى مسألة أخرى من قواعد الحرب الجديدة، فقد كان الـ PKK المرتدون يحاولون دائماً التمسك بالأرض، ولا يريدون خسارة أي قرية، فإذا حصلت عليهم إغارة وخسروا الأرض كانوا يرسلون المؤازرة تلو المؤازرة لاستعادتها، وكان المجاهدون ينكِّلون بهم ويوقعون بهم الخسائر البشرية الكبيرة، فلم يكن الطيران وقتها يعمل بكفاءة عالية ضد المجاهدين.

وقد أخطأ المجاهدون نفس الخطأ أيضاً في تمسكهم ببعض المواقع التي يسيطرون عليها دون أي نكاية بمشاة المرتدين، فبدأ العدو الصليبي يُعد قوات خاصة تستطيع الاستفادة من الطيران في مواجهة المجاهدين، ونزل الأمريكان إلى الأرض بحضور أكبر لكي يبعدوا قيادة المرتدين الغبية عن الأرض، وهنا بدأ فصل جديد من هذه الحرب الحديثة.

• كيف يقاتلوننا؟

إن القوة الخاصة التي تتقدم قوات الـ PKK المرتدين وقوات الصليبيين ليست قوة قتال بأي شكل من الأشكال، بل هي قوة توجيه للطيران فقط، وهدفها هو استدعاء الطيران وإخباره أين يجب أن يضرب بالضبط، ولهذا فإن طلائع قوات المرتدين تحمل فقط العتاد الخفيف، وسلاحها الحقيقي هو أجهزة الاتصال، وأجهزة توجيه الليزر، وأما السلاح الناري فاستخدامه الرئيسي هو لاستفزاز المجاهدين لجعلهم يخرجون للاشتباك.

فالقوات المرتدة تقوم بالتقدم المخادع دائماً، وتقوم بالرماية فقط لكي يخرج المجاهدون من مخابئهم ليردوا بالنار على قوات المرتدين، وعندها يقوم الطيران برصد المجاهدين واستهدافهم، أو يقوم المرتدون بإعطاء الإحداثيات التي يطلبون قصفها بالطيران.

وقد تم مؤخراً أسر أحد أفراد هذه القوات وليس معه سوى مخزنين من العتاد لرشاشه، وعند سؤاله عن هذا قال إنهم لا يقاتلون، بل يتقدمون فقط لتحديد أماكن رباط المجاهدين، وهذا لا يتطلب كثيراً من الذخيرة، فهم ليسوا قوات اشتباك.

ولهذا فإن أكبر خطأ هو أن يتعامل معهم المجاهدون على أنهم قوات اشتباك، بل هم قوات واهنة ضعيفة يستخدمها الصليبيون كالطُّعم للسمكة، فلا يجب أن يبتلع المجاهد الطعم أبداً، والطريقة المثلى هي أن لا يكشف المجاهد مكانه للعدو حتى يصبح العدو ضمن مدى الرماية المؤكد بإذن الله، وعندها فقط يجب على المجاهدين الرماية على هؤلاء واستهدافهم، وتغيير الموقع بسرعة.
...المزيد

• وإما فداء أما استنقاذ الأسرى المسلمين بمفاداتهم بأسرى الكفار، فدليلها ما جاء في السنة عن عمران ...

• وإما فداء

أما استنقاذ الأسرى المسلمين بمفاداتهم بأسرى الكفار، فدليلها ما جاء في السنة عن عمران بن حصين، قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء. فأتى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في الوثاق، قال: يا محمد! فأتاه، فقال: (ما شأنك؟) فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال إعظاما لذلك: (أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف)، ثم انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد! يا محمد! وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحيما رقيقا، فرجع إليه فقال: (ما شأنك؟) قال: إني مسلم، قال: (لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كل الفلاح)، ثم انصرف فناداه، فقال: يا محمد! يا محمد! فأتاه، فقال: (ما شأنك؟)، قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني. قال: (هذه حاجتك)، ففُدي بالرجلين. قال: وأُسرت امرأة من الأنصار، وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه، حتى تنتهي إلى العضباء، فلم تَرْغُ. فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت، ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم. قال: ونذرَت لله إن نجَّاها الله عليها لتنحرنَّها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: إنها نذرت إن نجَّاها الله عليها لتنحرنَّها. فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا ذلك له. فقال: (سبحان الله! بئسما جزتها، نذرت لله إن نجَّاها الله عليها لتنحرنَّها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد) [رواه مسلم].

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة ومنها مشروعية المفاداة بالكفار وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل الصحابة في أسر واختطاف الكفار لأجل المفاداة، ومن الفوائد أيضا سعي تلك المرأة الأنصارية في تخليص نفسها من الأسر وقد نجاها الله -تعالى- ووفقها لذلك.

وكذلك جاء في السنة في المفاداة عن إياس بن سلمة قال: حدثني أبي، قال: غزونا فزارة وعلينا أبو بكر، أمَّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علينا، فلما كان بيننا وبين الماء ساعة، أمرنا أبو بكر فعرَّسنا. ثم شنَّ الغارة، فورد الماء، فقَتل من قَتل عليه وسَبَى. وأنظُر إلى عُنُق من الناس، فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم، وفيهم امرأة من بني فزارة، عليها قشع من أدم، معها ابنة لها من أحسن العرب، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا، فلقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السوق، فقال: (يا سلمة، هب لي المرأة)، فقلت: "يا رسول الله، والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا". ثم لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الغد في السوق، فقال لي: (يا سلمة! هب لي المرأة، لله أبوك!) فقلت: "هي لك يا رسول الله، فوالله ما كشفت لها ثوبا". فبعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل مكة، ففدى بها ناسا من المسلمين، كانوا أُسروا بمكة" [رواه مسلم].
وقد بوَّب الإمام ابن ماجه على هذا الحديث باب: [فداء الأسارى].

أما الفداء بالمال فهو داخل في عموم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفكاك الأسير، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فكوا العاني)، قال الإمام ابن تيمية: "فكاك الأسارى من أعظم الواجبات وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات" [مجموع الفتاوى].

• المجاهدون أولى الناس بالأسرى

وكان المجاهدون شديدي الحرص على القيام بهذا الواجب تجاه أسرى المسلمين، اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه، حتى قال أبو أنس الشامي، تقبله الله: "يا حبذا الموت على أسوار أبو غريب" وقُتل دون أسوار ذلك السجن مع خيرة الفرسان آنذاك، ثم قامت دولة العراق الإسلامية، فقاد أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبله الله- غزوة بنفسه على سجن بادوش فاستنقذ المستضعفين الأسارى من أغلال الأسر، ولم ينس مولانا أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي -حفظه الله- أسرى المسلمين، فأطلق حملة هدم الأسوار التي آتت ثمارها في سجن تسفيرات تكريت الأشد تحصينا، وحرر فيه خيرة الفرسان، وكذلك سجن أبو غريب وسجن التاجي الذي فكَّ فيه أسر المئات كان منهم خيرة الأمراء والجنود، وحُرر كثيرٌ من المسلمين معهم، فضلا عن تلك التي لم يكتب لها النجاح، ثم كان فتح المدن الذي منَّ الله به على عباده، فحرر الأسارى مرة أخرى ولله الحمد والمنة، وهذا في القتال، أما للفداء والمفاداة فقد أنشأ لفكاك الأسارى بالفداء والمفاداة هيئة تُعنى بذلك فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 97
الخميس 23 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

كيف تقاتل تحت أعين الطائرات الصليبية نشاهد في حياة الحرب من المواقف الجميلة ما لا يمكن أن نراه ...

كيف تقاتل تحت أعين الطائرات الصليبية


نشاهد في حياة الحرب من المواقف الجميلة ما لا يمكن أن نراه في حياة أخرى، وجهُ الأخ العائد من العملية الانغماسية، وابتسامتُه المتعَبة من تحت التراب الذي يغطي وجهه، وابتسامة شهيد -فيما نحسب- ينظر إلى السماء، ومشهد رتل العدو حين يأتي من بعيد فرِحاً مختالاً، نحو عبوتك المنتظِرة في الطريق، وطيران المسيرات في السماء بعد الانفجار، وصوت الانفجار الذي يأتي متأخراً دائماً عن الحدث الجميل، هذا الصوت الذي يأتي دائماً قوياً، لا يعرف الخجل.

ومن أجمل المواقف كذلك، أن ترقب العدو يفتِّش عنك في كل مكان كالمجنون، وأنت مختبئ مرابط تنتظر من العدو غِرّةً لتنقَضَّ عليه، وهو يبحث في كل مكان ولا يصل إلى شيء.

ومن أشد المواقف صعوبةً على جيش العدو هو ألا يعرف أين يجب أن يضرب، وأين يقبع المجاهد الذي يقاتله.

وللوصول إلى هذه الحالة فلا بد من تطوير تفكيرنا بحيث نتخلص من كل فكرة ثبت فشلها، ولا بد أن نتمسك فقط بالأفكار والتجارب الناجحة في القتال.

• المراحل الأولى للقتال

قبل سنين، في أرض الشام، بدأنا القتال بأسلوب حرب عصابات، حيث كانت تعتمد على المباغتة والمفاجأة لمواقع العدو دون أي تمركز معلوم لمواقع المجاهدين، والعدو يبحث عن خصمه ولا يجد له أي أثر، مما أوقع فيه الخسائر الجسيمة في الأفراد والمعدات العسكرية.

وبعد تطهير الأرض من دنس النصيرية وأتباعهم، والمفاصلة الجغرافية مع العدو تغيَّر أسلوب القتال من حرب العصابات الذي يعتمد على الاختفاء ومباغتة العدو إلى تكتيك المواجهة وتحديد خطوط الرباط وتمركز المجاهدين، حيث بدأت عملية الاستنزاف لطاقات المجاهدين البشرية تدريجيا بسبب ما يملك العدو من أسباب القوة بالوسائط النارية، وظلَلنا على هذا الأسلوب زمناً طويلا مع النصيرية والصحوات المرتدين.

ثم جاءت معارك عين الإسلام، وكان أسلوب قتالنا كالمعتاد مع النصيرية وغيرهم، من زج الوسائط والمعدات العسكرية الثقيلة والمتوسطة دون أي حساب لتدخل الطيران الأمريكي الدقيق، وما هي إلا أيام وحلقت الطائرات المسيرة القاصفة فوق مواقع المجاهدين في ريف وأطراف عين الإسلام، وبدأت الطائرات بإلقاء حممها ونيرانها على معدات المجاهدين، ومن ثَم على مواقع رباطهم ومقراتهم المكشوفة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وقد أوقعت مع بدء الحرب الصليبية الأخيرة خسائر بالمجاهدين، كانت في غالبها ناتجة عن التغيير الكبير في قواعد الحرب بعد دخول الطيران المسيَّر الصليبي إلى المعركة، سواء في الشام والعراق، أم في الولايات الأخرى.

• ردة الفعل الأولى

ولكن المجاهدين بعد هذه المرحلة، بدؤوا يطورون أساليبهم في القتال، فأصبحوا يموِّهون الأسلحة والمركبات والدبابات نوعا ما أثناء تحريكها واستخدامها، وإن لم يكن على المستوى المطلوب، مما قلَّل الخسائر بشكل واضح والحمد لله، وكذلك بدأ الجنود يتدربون على أساليب قتالية جديدة تُمكِّنهم من القتال مع وجود الطيران الصليبي، وقد أتقنت بعض المجموعات المقاتلة هذه الأساليب، في حين أنَّ آخرين لم يتدربوا بالشكل المطلوب.

ونحن نكتب هذه السلسلة من المقالات بعون الله، لكي نُنبه جنود الدولة الإسلامية إلى بعض الأساليب في القتال التي يتبعها العدو للإيقاع بالمجاهدين، وكذلك بعض الأساليب التي اتبعها المجاهدون ونجحت في القتال مع وجود الطيران، بل إن بعض الأساليب القتالية التي جرى تجريبها بإشراف بعض الخبراء العسكريين مؤخراً قد أثبتت أن الطيران الصليبي بدقته العالية في إصابة أهدافه يمكن جعله نقطة ضعف كبيرة تشلُّ قدرة العدو نفسه على القتال، أو يمكن تسليطها على مقاتلي العدو أنفسهم بتوفيق الله العليم.
...المزيد

تنبيه الأبرار لخطورة الاستئسار 3 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتِم النبيين، ...

تنبيه الأبرار لخطورة الاستئسار 3


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتِم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد تكلمنا عن خطورة الاستئسار وفداحة عاقبته، لأنه فتنة في الدين، ولأن فيه ما فيه من انتهاك لحرمة المسلم من قبل الكفار المجرمين الذين تجرَّدوا من كل خُلُق وفضيلة، وسعَوا بكل ما أوتوا لصد المسلمين عن دينهم قتلا وأسرا، ومارسوا كل صنوف التعذيب والإهانة، إمعانا في الحرب على دين الله وأوليائه، ولذلك قلنا أن على المسلم أن يسعى بكل وسيلة للتخلص من الأسر إذا قدر الله عليه ذلك، ونحن اليوم نكمل موضوعنا فنتكلم عن حق الأسير على إخوانه المسلمين من وجوب استنقاذه من الأسر وتخليصه من هذا البلاء العظيم، فحقُّ الولاء بين المؤمنين يوجب العون والنصرة، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، فهذه الموالاة الناشئة عن رابطة الإيمان وأخُوَّة الدين تستوجب العون والنصرة بين المؤمنين.

قال الإمام الطبري في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}: "وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه، فإن صفتهم: أن بعضهم أنصارُ بعض وأعوانهم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وقال الإمام البغوي: "قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}، فِي الدِّينِ واجتماع الكلمة والعون والنصرة" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

وقال الإمام ابن كثير في تأويل هذه الآية: "يتعاضدون ويتناصرون" [تفسير القرآن العظيم].
وأخرج الشيخان في صحيحيهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).

وفي النص دلالة واضحة على وجوب نصرة المؤمن لأخيه المؤمن الذي يحتاج العون والنصرة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يُسلمه)، أي لا يدعه تحت الأذى والضرر من دون أن يحميه ويدفع عنه عدوه أو يرفع أذى عدوه عنه، ولا يخذله بترك نصرته وهو في حاجته، وتأمل فضل فكاك الأسير والثواب الجزيل في قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة).

ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين
وكذلك من أدلة الوجوب، حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فكُّوا العاني وأجيبوا الداعي) [رواه البخاري]، وبهذا الحديث وغيره بوَّب الإمام البخاري باب: [فكاك الأسير]، والعاني هو الأسير، وفكاكه هو تخليصه من الأسر.

قال ابن قدامة: "وروى سعيد، بإسناده عن حبان بن أبي جبلة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن على المسلمين في فيئهم أن يُفادوا أسيرهم، ويُؤدوا عن غارمهم)، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار (أن يعقِلوا معاقلهم، وأن يفكوا عانيهم بالمعروف)، وفادى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلين من المسلمين بالرجل الذي أخذه من بني عقيل، وفادى بالمرأة التي استوهبها من سلمة بن الأكوع رجلين" [المغني]. فلا بد من تخليص المأسور بالطرق المتاحة، فإما أن يكون بالقتال أو بالمفاداة بالكفار المأسورين لدى المسلمين أو بالفداء بالمال.

واستنقاذ الأسارى من أيدي الكفار بالقتال هو الوسيلة الأنجع إن توفرت ظروفها، وخطاب الله -تعالى- للمؤمنين واضح بهذا الشأن، قال جلَّ وعلا: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

قال الإمام أبو المظفر السمعاني في تفسيره: "قال الأزهري: معنى الآية: لا تقاتلون في سبيل الله، وفي سبيل المستضعفين بتخليصهم من أيدي المشركين".
...المزيد

لا نَدَعُ هذه البيعة أبداً إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة كانتا من أكبر الأحلام التي ...

لا نَدَعُ هذه البيعة أبداً


إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة كانتا من أكبر الأحلام التي تراود المسلمين في كل مكان، يحدثون أنفسهم بها، ويتمنَّون لو يبذلون أنفسهم في سبيل الله كي يروا ما يحلمون به واقعا أمامهم، أو يكون لهم على الأقل مشاركة في تحقيق ذلك.

وقد منَّ الله على عباده المؤمنين بتحقيق هذه الأمنية العزيزة عليهم، فقامت الدولة الإسلامية لتحكم بشرع الله تعالى، وعادت الخلافة لتجمع كلمة المسلمين تحت لوائها، وتوافد المسلمون من كل مكان للاعتصام بجماعتها، ومبايعة إمامها، وقتال المشركين في صفوف جيشها.

لقد عرف الناس كلهم، لا المسلمون فحسب، فضلا عن أمراء الدولة الإسلامية وجنودها، أن قضية إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة ستهزُّ دول الكفر هزّاً، وستدفع المشركين من كل حدب وصوب إلى أن يحتشدوا لقتالها، متحاملين على جراحهم، متناسين ما بينهم من نزاعات وصراعات وتضارب في المصالح، فواجب العصر عندهم أن يئِدوا الخلافة في مهدها، ويزيلوا شريعة الله من الأرض، لتعود كما كانت من قبل محكومة كلها بحكم الطاغوت، وهكذا هو حال الموحدين مع المشركين في كل زمان.

وقد روى جابر -رضي الله عنه- قصة بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم، فاشترط عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم- أن تكون بيعتهم على السمع والطاعة والنفقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى النصرة والمنعة، فوافق الأنصار على هذه الشروط، ومدُّوا أيديهم ليبايعوا رسول الله عليها، فمنعهم من ذلك أحدهم حتى يتبينوا نتيجة ما هم مقدمون عليه.

قال جابر: "أخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم، فقال: رويدا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم منازعة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضَّكم السيوف، فإما أن تصبروا على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم جُبنا، فبيِّنوا ذلك فهو أعذر لكم، فقالوا: أمط عنا فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا، فقمنا إليه، فبايعناه، فأخذ علينا، وشرط أن يعطينا على ذلك الجنة" [رواه ابن حبان].

فعرف الصحابة الكرام ثمن هذه البيعة، وهو أن تحاربهم عليها العرب، ويُقتل في حربهم خيارهم، وأن تعضَّهم السيوف، كما عرفوا ربح هذه البيعة إن وفوا بشروطها، وهو الجنة، وعلى ذلك مضوا في بيعتهم، وثبتوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أظهر الله دينه، وأكمله، وأتمَّ عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام دينا، وعرف نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فضل الأنصار في ذلك، حتى قال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) [رواه البخاري].

وهذه حالنا اليوم نحن معاشر الموحدين جنود الدولة الإسلامية، فقد بايعنا الإمام الذي وليناه أمرنا على أن يقيم فينا دين الله، ويُحكِّم فينا شرعه، ويقود جماعة المسلمين بما يرضي رب العالمين، ويجاهد بنا الكفار والمشركين، ويرد عادية البغاة والمفسدين، وكنا نعلم يقينا أن هذا الأمر دونه خرط القتاد، وأن تعضَّنا السيوف، وتطعننا الرماح، وأن يرمينا العالم كله عن قوس واحدة، وهو ما كان، والحمد لله على كل حال.

فيا جنود الدولة الإسلامية، لم يصبكم في سبيل الله أكثر مما كنتم تتوقعون، مصداقا لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وما كان الجهاد كله فتحا للأمصار، وتمكينا في الأرض، واغتناما للأموال، وشفاء صدورٍ من الأعداء فحسب، بل هو فتن تُصب على رؤوس المجاهدين صبّاً من أعدائهم كي يرجعوهم عن دينهم، إلا الصابرين.

فلا تكونوا كالذين قال الله -تعالى- فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11]، واسألوا الله أن يبارك لكم بيعتكم لأمير المؤمنين على إقامة الدين، وقتال المشركين، فنِعم البيعة هي والله، لا ندعها أبدا، ولا نقيل ولا نستقيل، حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الكافرين، والحمد لله رب العالمين.



* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 97
الخميس 23 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

أوصاف المنافقين في القرآن الكريم إن من سنن الله -عز وجل- أن جعل الأيام دولا، فيكون النصر ...

أوصاف المنافقين في القرآن الكريم


إن من سنن الله -عز وجل- أن جعل الأيام دولا، فيكون النصر والظفر للمجاهدين تارة، ويكونان لعدوهم تارة أخرى، وفي كل خير لهم، قال الله في كتابه: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: (ما من غازية أو سرية تغزو فتَغنم وتَسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثُلُثَي أجورهم، وما من غازية أو سرية تُخفق وتُصاب إلا تمَّ أجورهم) [رواه مسلم]، وإن من سننه -تعالى- أن المسلمين إذا علَت رايتهم وارتفع صرحُهم دخل في صفوفهم من ليس منهم، قال الله عز وجل: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56]، وقال تعالى: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ وَغَرَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ} [الحديد: 14]، إنهم المنافقون.


• الجهاد يفضح المنافقين

وإن هؤلاء وإن كان ظاهرهم مع المسلمين إلا أنهم {يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ} [آل عمران: 154]، فهم إذا دهم المشركون ديار الإسلام أساؤوا بالله الظن، وظنوا أن لن ينصر الله المؤمنين، {يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154]، وإذا دارت رحى الحرب سعوا جاهدين للتخلف عنها، فإن أُذن لهم فرحوا بذلك، {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ} [التوبة: 81]، وإذا لم يؤذن لهم سعوا في تخذيل المسلمين وتخويفهم علَّهم يقعدون جميعا، قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 18]، ولمَّا كان القعود عن الجهاد بغير عذر علامة واضحة دالة على المنافقين، حيث قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167]، سعى هؤلاء جاهدين لاختلاق الأعذار، {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 86]، فمنهم من كان عذره شدة الحر، {وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ}، فأجابهم تعالى بقوله: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81]، {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي}، أي لا تفتني بإخراجي للقتال فإني لا أصبر على سبي بني الأصفر، فقال فيه الله تعالى: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49].


• يقولون إنّ بيوتنا عورة..

وفي غزوة الأحزاب، بعد أن اشتد البلاء على المسلمين، أمَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء والذراري في حصن بني حارثة لانشغال المجاهدين بالرباط والحراسة عن حمايتهم، ولم يستأمن النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود بني قريظة عليهم فيُلحقهم بهم وكانوا يومئذ على العهد، لعلمه أن الكافرين لا عهد لهم، ولما كان حال المسلمين في تلك الغزوة ما ذكر الله من الزلزلة والبلاء، والخوف والفزع، كان تعلقهم بالله أشد، ويقينهم به أصدق، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].

أما المنافقون فشكوا وارتابوا، وظنوا أن لن يُنجز الله وعده، فقال عنهم جل جلاله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، ولم يكتفوا بذلك بل زادوا عليه الخذلانَ والإرجافَ، {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13]، أي ارجعوا إلى بيوتكم ولا تقاتلوا، {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}، قال قتادة: "قالوا: بيوتنا مما يلي العدو ولا نأمن على أهلنا" [زاد المسير في علم التفسير]، فاحتج بعضهم بأن بيوتهم غير محصنة، فاستأذنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- لحمايتها ومن فيها، فأخبر الله -عز وجل- بأن ذلك ليس بعذر، ونفى ما قالوا، فقال: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}، وبين الدافع الحقيقي للاستئذان فقال: {إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، فهم إنما أرادوا بذلك الفرار من القتل والقتال، والسيوف والنصال، خشية الموت أو الجراح، وأرادوا بذلك التستر بحماية العِرض من العدو.
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً