يا أهل إيران استمسكوا بالعروة الوثقى يختبئ طواغيت إيران خلف عباءة ثورية لبسوها ليخدعوا بها ...

يا أهل إيران استمسكوا بالعروة الوثقى


يختبئ طواغيت إيران خلف عباءة ثورية لبسوها ليخدعوا بها الحمقى والمغفلين، ويستثيروا إليها السذج الجاهلين، مستندين في ذلك إلى حقيقة أن نظامهم الكفري بُنِي على أساس الاستيلاء على السلطة عقب الثورة على طاغوت إيران الأسبق الشاه البهلوي.

وقد بلغ بهم الغرور ذات يوم أن اعتقدوا أن ما تحقق لهم في إيران يمكن أن يتكرر في كل بلدان المسلمين، وذلك تحت شعار تصدير الثورة، الذي دفعوا ثمنه غاليا، قبل أن يستفيقوا من سكرتهم، ويبدؤوا التخطيط لمشروع طويل الأمد، يحقق لهم الانتشار لدينهم، والتمدد لنفوذهم، وتحقيق ما راموه في عقود، بعد أن يئسوا من الحصول عليه في سنين.

وقد كانت تلك "الثورية" أهم مرتكزات النظام الكافر الحاكم لإيران في سعيه لإثبات "شرعيته" وأحقيته بحكم البلاد، فالشعب الإيراني هو الذي جاء بهذا النظام -بحسب هذه الرؤية- من خلال ثورته على الشاه، وموافقته على الدستور الذي قام عليه النظام الذي يحكم اليوم، والذي من أهم أسسه الطاعة لمن يسمونه "الولي الفقيه" الذي يعتبر بمثابة النائب عن "الإمام الغائب" المزعوم في فترة غيبته، التي ينتظر الرافضة انتهاءها منذ عشرة قرون أو يزيد.

وتحت هذه الطاعة المفروضة على سكان إيران، حتى من لا يدين منهم بدين الرافضة، استباح "الولي الفقيه" وأتباعه دماء الناس، وأموالهم، بل وأعراضهم، ومن عارض أي شيء من ذلك أو أراد الخروج عليه، حكموا عليه بأنه من "أعداء الثورة" ليناله من جراء ذلك ما يناله من عقوبات يشرِّعها طواغيت الرافضة باسم رب العالمين.

واليوم تخرج المظاهرات في مختلف مناطق إيران، سواء منها التي يسكنها الرافضة المشركون، أو التي ينتسب سكانها إلى الإسلام والسنة، ضد حكم الولي السفيه، منادين بإسقاطه، ومستعلنين بالخروج عليه، لتكون بمثابة ثورة على النظام الذي يسمي نفسه "ثوريا"، واحتجاجا شعبيا ضد من يزعم أنه جاء إلى الحكم بمشيئة "الشعب" ورضاه.

وهذه المظاهرات وإن كانت غير واضحة المعالم حتى الساعة، والخارجون فيها -أغلبهم- لا ينشدون منها إقامة حكم تكون كلمة الله فيه هي العليا، فإن الرسائل التي صدرت منهم هي في غاية الأهمية، وقد فهمها طواغيت إيران جيدا، هم وأتباعهم وأنصارهم، ولذلك فإنهم لن يسمحوا لهذه الحركة أن تكبر أكثر، ولو بذلوا في سبيل ذلك ما بذلوه من دماء المؤيدين لهم، وسفكوا ما سفكوه من دماء الخارجين عليهم.

وإن أهم الرسائل التي يخشى طواغيت إيران تسربها، هي كفر الناس بحكم "الولي الفقيه" الذي يشرِّع لهم من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، لكونه نائبا عن "الإمام الغائب" المزعوم الذي جعلوه نِدَّا لله -سبحانه- بما أعطوه من صفات لا تليق إلا بالعزيز الحكيم، ليس التشريع إلا واحدة منها فحسب، حيث كثُر صياح المتظاهرين بإسقاط الطاغوت (علي خامنئي) الذي يشغل منصب "الولي الفقيه"، وهو ما يعني -وبلا شك- رفض الاعتراف بشرعية حكمه، والكفر بمنظومة الكفر التي تنبني كلها على أساسه.

وإن هذا الأمر ستكون له نتائج كبيرة -إذا ما تحقق بإذن الله- تنسف دين الرافضة كله، إذ إن نظرية حكم "الولي الفقيه" جاءت أصلا لإنقاذ دين الرافضة الذي هدَّ أركانَه يأسُ الروافض من خروج مهديهم المزعوم، كما إن فرص إعادة تطبيق هذا النظام في أماكن أخرى من العالم ستكون ضئيلة جدا، بعد فشله وسقوطه في أرض مهده، ومستند قوته، إيران.

وإن من الواجب اليوم دعوة الرافضة في إيران وغيرها إلى نبذ حكم "الولي الفقيه"، بل وكل مراجعهم المتألهين عليهم، والكفر بكل الطواغيت الذين يُعبَدون من دون الله، وبكل أتباعهم، والإيمان بالله وحده رب العالمين، ومنه التحاكم لشرع الله وحده، ليستحقوا بذلك وصف المسلمين، وترفع عن رقابهم سيوف الموحدين، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].



صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

وبشِّر الصابرين (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ...

وبشِّر الصابرين

(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرا له) [صحيح مسلم].

إن الله يبتلي العبد ليحط عنه من ذنوبه، ويكفر عنه من سيئاته، وإن الرجل ليبتلى بقدر إيمانه ومنزلته عند الله ومكانه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فمن كان إيمانه قويا اشتد بلاؤه وعظم، ومن كان إيمانه رقيقا خفف الله عنه البلاء ورَحِم، وإن للمحن أشكالا، وللبلاء ألوانا، فقد يبتلى الرجل في النفس أو المال، أو الأهل أو العيال، {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

ولما كان الصحابة أصلب الناس بعد الأنبياء إيمانا، وأصدقهم إسرارا وإعلانا، كان البلاء ولا بدَّ مصيبهم، فوقع بهم ونالوا منه نصيبهم، إذ كان لهم من العذاب أنكاه، ومن التنكيل أعظمه وأقواه، فعن خباب بن الأرت أنه قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسدٌ بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمْشَط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون [رواه البخاري].

ويمر الصحابة -رضوان الله عليهم- بأم عمار زوج ياسر، يسومها المشركون من العذاب ألوانا، فلا يرفعون الظلم عنها لاستضعافهم ولا يكفون عدوانا، ويمر النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- بعمار وأمه وأبيه وقد أُلبسوا في رمضاء مكة دروع الحديد، فيقول: (صبرا آل ياسر، إن موعدكم الجنة) ولا يزيد] سيرة ابن هشام[، وصَبَرَ الصحابة على أذى المشركين حتى ماتوا على دينهم كراما، فكانوا شامة على جبين الصبر وعلى صدر العز وساما.

فيا من عظم عليه البلاء، واشتدت به المحنة واللأواء، وأوصدت دونه الأبواب، وتقطعت به الأسباب، ودخل اليأس إلى قلبه فارتاب، قارن حالك بحالهم، وليكن مآلك كمآلهم، فإن صبرت جزاك الله عظيم الأجر والثواب، وإن نكصت فما لك إلا الخزي والعذاب.

أتنظر إلى هالة الكفار فتهولك؟ {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 13]، أتذوق من بأسهم فتبتئس؟ {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، أم طالك جَهدهم فأجْهَدَك؟ {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]. فحافظ يا طالب الخير على الثبات تسلم، وتسلَّح بالصبر تُفلح وتغنم، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].



صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

ارصدوا المشركين واقتلوهم قال الله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]، قال ...

ارصدوا المشركين واقتلوهم

قال الله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "الرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام".

هي مفردة من مفردات الجهاد تناسب مرحلة المدافعة والإثخان بالكفار بعد أن انحسرت المواجهة المباشرة في مناطق كثيرة، لتدخل عمليات الرصد والقتل موضع التنفيذ في تلك المناطق التي توسعت فيها حشود الشرك والردة تحت طائرات الحلف الصليبي، ثم انفضت عنهم الطائرات ليبقوا تحت مرصد الأسود التي تتربص بهم القتل والأسر، وهذه العمليات الجهادية تعرف في وقتنا الحاضر بالعمليات الأمنية، التي تبدأ برصد الكفار في طرقهم ومسالكهم ومقراتهم ثم الإغارة عليهم قتلا وتنكيلا، وهذا ما يرعب الصليبيين والمرتدين ويقض مضاجعهم لأنه يضعف معنوياتهم ويبث الرعب في جنودهم ثم تؤول إلى سقوط المدن بأيدي المجاهدين.

لقد أصبح اليوم -بفضل الله- من ولاية ديالى وولاية كركوك وولاية صلاح الدين ما يمثل مثلث الموت، وغدا مربعٌ ومستطيلٌ للعذاب هنا وهناك، ليرتعب الكفار ويتجهزوا من جديد لحملاتهم الفاشلة، فهذا ما جناه المشركون بعد حرب السنين التي استنزفت دماءهم وأموالهم، وناحت نوائحهم في كربلاء المنجسة والنجف الأشرك وفي باقي ديار المشركين لأجلها، ولا بد في هذه المرحلة من تكثيف العمل بأمر الله في الرصد والقتل لكل من أشرك به وعادى دينه، فهو العلاج الأنجع لكف جموعهم المشركة عن طلب قتال الموحدين والانكفاء على المدن لحمايتها من السقوط والتخلي عن الأرياف، ولن تكون مدنهم في مأمن حتى ولو أرجعوا كلابهم الهائمة في أرض القتل والنكال، فالمدن هي هدف الموحدين في طلب الفرائس الثمينة بالاغتيالات والنسف والتفجير.

إن حكومة الشرك في بغداد تسعى لخداع الناس بأنها قد أحكمت قبضتها على أمن هذه المدينة ويريدون رفع الحواجز الأمنية، وهذه الخطوة تذكرنا بما فعلوه بعد ظهور صحوات الردة والعار حين ظنوا أنهم قد غلبوا وأحكموا السيطرة، فإذا بغارات الموحدين من أبناء دولة الإسلام قد سامتهم سوء العذاب، فأرجعوا الحواجز بأضعاف مضاعفة، ثم أصبحوا أضحوكة العالم بسبب تكرار الكذب لتبرير فشلهم الأمني، وذلك بعد خطة حصاد الخير التي قطفت رؤوس جنود الردة وضباطهم المشركين، وكانت تقوم هذه الخطة على مبدأ الرصد والقتل الذي أمر الله -تعالى- به، وقد آتت هذه العمليات أكلها في ذلك الوقت بعد أن ظن الصليبيون والمرتدون أنهم غالبون. قال أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبله الله-: "أبشروا يا جنود الله، فإني أحسب أنكم ابتليتم وصبرتم، وزُلزلتم فثبَتُّم، ورميتم فأشخصتم وما انحنيتم، وتكالبوا عليكم فما تفرقتم واجتمعتم، فهنيئاً لكم الأجر في الآخرة والنصر في الدنيا، فإن عجلته بدأت تدور وتجري بأسرع مما كنا نظن، فاعترف العدو بكل أشكاله وأصنافه بأن الفترة التي أعقبت خطتكم خطة حصاد الخير كانت الأقسى عليهم منذ نحو عام، وليس هذا من قبيل المصادفة فعدد قتلى الأمريكان الأكثر ولم يعد يسعفهم قولهم (قُتل في حادث غير قتالي)!... شهورٌ معدودة وستلامسون النصر بأيديكم وترونه بأعينكم كما رأيتموه من قبل ولكن أكثر نقاءً وصفاءً وثباتاً" [عملاء كذابون].

نعم -والله- صدق الأمير الهمام -تقبله الله-، فقد عادت دولة الإسلام بعد التمحيص والابتلاء لتدخل مرحلة النصر والتمكين وقد رأينا النصر ولمسناه كما قال -تقبله الله- حيث امتدت إلى الشام ثم عادت أقوى في العراق وأُعلنت الخلافة، ونحسب محسنين الظن بربنا -جل وعلا- أننا سنلامس نصرا عاجلا بصدق الثلة التي اختارها الله -تعالى- لحمل هذه الأمانة بعد سنيِّ الحرب الضروس، وبعد هذا البلاء والاصطفاء والتمحيص للمجاهدين، فيا فوارس الإسلام وطليعته الأبرار استمروا في الرصد للمشركين وثبوا عليهم وثبة الأسد الغضاب، وأطلقوا المفارز وعاودوا الكرة في المدن والأرياف، فأنتم أهلٌ لهذه الحرب التي فشل الكفار في مواجهة رجالها الكماة، أهل المكارم والطعان، فإنما النصر صبر ساعة، والعاقبة للمتقين، والحمد لله رب العالمين.


صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم • قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العيد: اسم جنس ...

مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

العيد: اسم جنس يدخل فيه كلُّ يوم أو مكان لهم [الكفار] فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يُحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك.

وكذلك حريم العيد: هو وما قبله وما بعده من الأيام التي يُحدثون فيها أشياء لأجله، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال، حكمها حكمُه فلا يفعل شيء من ذلك، فإن بعض الناس قد يمتنع من إحداث أشياء في أيام عيدهم، كيوم الخميس والميلاد، ويقول لعياله: إنما أصنع لكم هذا في الأسبوع أو الشهر الآخر، وإنما المحرِّك له على إحداث ذلك وجود عيدهم ولولا هو لم يقتضوا ذلك، فهذا من مقتضيات المشابهة. لكن يحال الأهل على عيد الله ورسوله ويقضي لهم فيه من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره، فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم.


• الحذر من طاعة النساء في المعصية

وليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وروي أيضا (هلكت الرجال حين أطاعت النساء) [رواه أحمد].


• البدع في أعياد الكفار

أعياد الكفار كثيرة مختلفة، وليس على المسلم أن يبحث عنها، ولا يعرفها، بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال أو يوم، أو مكان، أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان أوالزمان من جهتهم، ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم، فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام، فإنه إذا لم يكن له أصل، فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه، أو يكون مأخوذا عنهم، فأقل أحواله: أن يكون من البدع، ونحن ننبِّه على ما رأينا كثيرا من الناس قد وقعوا فيه:

فمن ذلك الخميس الحقير، الذي في آخر صومهم، فإنه يوم عيد المائدة فيما يزعمون ويسمونه عيد العشاء، وهو الأسبوع الذي يكون فيه من الأحد إلى الأحد؛ هو عيدهم الأكبر، فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات.

فمنه: خروج النساء، وتبخير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب، واتخاذه موسما لبيع البخور وشرائه، وكذلك شراء البخور في ذلك الوقت إذ اتُّخذ وقتا للبيع.....
ومن ذلك: ترك الوظائف الراتبة من الصنائع، والتجارات، أو حلق العلم، أو غير ذلك، واتخاذه يوم راحة وفرح، واللعب فيه بالخيل أو غيرها على وجه يُخالف ما قبله وما بعده من الأيام.
والضابط: أنه لا يحدث فيه أمر أصلا، بل يجعل يوما كسائر الأيام، فإنا قد قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن اليومين اللذين كانا لهم يلعبون فيهما في الجاهلية، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعيِّدون فيه....

وكذلك أعياد الفرس مثل: النيروز والمهرجان، وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أو الأعاجم أو الأعراب، حكمها كلها على ما ذكرناه من قبل .• النهي عن فعل ما يعين الكفار في أعيادهم

وكما لا نتشبَّه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل يُنهى عن ذلك فمن صنع دعوة مُخالفة للعادة في أعيادهم لم تُجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد، لم تُقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم، مثل: إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان به على التشبه بهم كما ذكرناه.

ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مُشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر، فأما مبايعتهم ما يستعينون هم به على عيدهم أو شهود أعيادهم للشراء فيها، فقد قدمنا أنه قيل للإمام أحمد: هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل طور يانور ودير أيوب، وأشباهه يشهده المسلمون، يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه الغنم والبقر والدقيق والبر، وغير ذلك؛ إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم، وإنما يشهدون الأسواق، قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيَعَهم، وإنما يشهدون السوق، فلا بأس.

وقال أبو الحسن الآمدي: "فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره ". نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال: "إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه " لأجلهم فهذا الكلام محتمل؛ لأنه أجاز شهود السوق مطلقا بائعا، ومشتريا؛ لأنه قال: "إذا لم يدخلوا عليهم كنائسهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس " هذا يعم البائع، والمشتري، لا سيما إن كان الضمير في قوله: " يجلبون " عائدا إلى المسلمين، فيكون قد نص على جواز كونهم جالبين إلى السوق.

ويحتمل -وهو أقوى- أنه إنما أرخص في شهود السوق فقط، ورخص في الشراء منهم، ولم يتعرض للبيع منهم؛ لأن السائل إنما سأله عن شهود السوق التي يقيمها الكفار لعيدهم، وقال في آخر مسألته: "يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم " وذلك؛ لأن السائل مهنا بن يحيى الشامي، وهو فقيه عالم، وكان -والله أعلم- قد سمع ما جاء في النهي عن شهود أعيادهم، فسأل أحمد: هل شهود أسواقهم بمنزلة شهود أعيادهم؟ فأجاب أحمد بالرخصة في شهود السوق..

ثم إن الرجل لو سافر إلى دار الحرب ليشتري منها، جاز عندنا، كما دلَّ عليه حديث تجارة أبي بكر -رضي الله عنه- في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، وهي دار حرب، وحديث عمر -رضي الله عنه- وأحاديث أخرى بسطت القول فيها في غير هذا الموضع مع أنه لا بد أن تشتمل أسواقهم على بيع ما يستعان به على المعصية.

فأما بيع المسلمين لهم في أعيادهم، ما يستعينون به على عيدهم، من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو: أن بيع الكفار عنبا أو عصيرا يتخذونه خمرا لا يجوز، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما.


• الركوب مع النصارى المحتفلين بعيدهم

وسئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم، فكره ذلك مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه، وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئا في عيدهم مكافأة لهم ورآه من تعظيم عيدهم وعونا لهم على مصلحة كفرهم...

انتهى - من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم - باختصار.


صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ إن الصدق لا يمكن أن يكون حقيقة ملموسة فيمن يدعيه بمجرد الدعاوى ...

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

إن الصدق لا يمكن أن يكون حقيقة ملموسة فيمن يدعيه بمجرد الدعاوى الخاوية من الأفعال، إلا بعد أن تتجسد تلك الدعاوى واقعا على أرض الجهاد، فلا يكون المرء صادقا إلا حين تسمو نفسه إلى مراقي الفلاح فتسعى بخطوات عملية وتقف موقف الصدق لتثبت ما تدعي أثناء مسيرها في طريق الدعوة إلى الله، الذي حُفَّ بأعظم الكربات والمكاره، فليس الصادق اليوم من يجد الأعذار لنفسه للهروب من مواقف الصدق مع الله -تعالى- حين يشتد البلاء، وليس الصادق من يرمي فشله ونكوصه وانهزامه على مواقف المنهزمين، وليس الصادق من يترك جماعة المسلمين ويتشبث بالأشخاص متذرعا بالذين يَحصُر الحقَّ في أقوالهم وأفعالهم، إنما الصادق الذي لا يرى لنفسه عذرا ولو كان من أهل الأعذار، والصادق لا يأبه بانتكاس من يشار له بالبنان ولو عُدَّ من الأخيار، والصادق هو الذي يتشبث بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بلزوم الجماعة والإمام، وإن تنازع المتنازعون وركبتهم الأهواء فتركوا جماعة المسلمين.

إن دولة الخلافة لا تمضي إلا بأفعال الصادقين الذين يبذلون دماءهم رخيصة في سبيل الله ولا يحسبون حسابا للنتائج بعد ذلك، لأن هذه المواقف هي التي تستجلب النصرين، الشهادة في سبيل الله أو الظهور والتمكين، وكلاهما سبيل بقاء عزة الدين وبقاء كلمة التوحيد فوق كلمات الباطل.

إن أعظم موقف في أول ظهور الإسلام على الكفر هو موقف الصحابة البدريِّين، الذين كان منهم الصحابي الجليل حارثة بن سراقة -رضي الله عنه- الذي قُتل في أول معركة له وهي معركة بدر، فنال أعلى المراتب وحاز أسمى المطالب، وذلك حين أصابه سهم لا يعرف من رماه، فأصاب به الفردوس الأعلى بصدقه مع ربه جل في علاه، حينها جاءت أمه الثكلى لتعرف مصير ابنها الذي لم يكن في نظرها قد فلق بالسيف الهامات، أو سطر تاريخ البطولات، لتسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مصير ابنها القتيل بهذا السهم الذي لا يعرف راميه، أمسلم أم كافر، فعن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتل يوم بدر أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال يا أم حارثة: (إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى) [رواه البخاري].

إن موقف صدق واحد يكفي للوصول إلى دار السعادة، فأولئك الصحابة الكرام الذين وقفوا موقف ساعة من نهار، سموا بالبدريِّين للتعريف بفضيلتهم، فهم أجلُّ الصحابة وأفضلهم وأرفعهم قدرا ومنزلة بين باقي الصحابة الكرام، لأنهم حين وقفوا وقفتهم كانوا قلة في العدد والعدة، فوقفوا موقفا في ذروة ضعفهم المادي، وذروة صدقهم مع الله –تعالى- مواجهين أبناء عمومتهم، متبرئين من شركهم، مناجزين إياهم بالسيوف، فكان فعلهم وجهادهم كما سمَّاه الله -تعالى- الفرقان يوم التقى الجمعان، فأنزل معهم ملائكته لتذود عنهم وتنصرهم، ولم تكن لبعض الأسياف والعصي وبعض الخيالة أن تهزم جموع الكافرين إلا بالصدق في نصرة الدين وترك الملذات والحرص على الحياة.

لقد سما صرح الخلافة بمواقف الصادقين الذين صدقوا عهدهم مع ربهم -نحسبهم والله حسيبهم-، فمن مواقف صدقهم هو وضوح غاية جهادهم من أول يوم بذرت فيه بذرة التوحيد على أرض الرافدين فأثمرت دولة الإسلام، لأن مشيديها نحسبهم من الصادقين الذين لم يرتابوا في دينهم وأخذوا الكتاب بقوة فأبطلوا مناهج الباطل وقاتلوا القريب والبعيد على أساس الولاء والبراء وشيدوا للحق دولة، وقد حفظ الله -تعالى- هذه الدولة فاستمر جهادها حتى قامت بواجب العصر المضيع، وذلك بإعلان الخلافة التي جمعت شتات الصادقين في أصقاع الأرض.

إن الصادقين اليوم هم الذين يمضون في طريقهم لا ينتظرون نتيجة عاجلة، فعاجل ما يريدون أن تُغمض أعينهم لتبصر أعالي النعيم وقناديل العرش بجوار الرحمن جل في علاه، فهم الذين يبذرون بدمائهم بذور التوحيد لتثمر في ربوع أرض الله بالتمكين، فلا ينأون بأنفسهم وينظرون من بعيد أو يقعدون مع النساء والذرية وينتظرون النتائج، بل يرمقون بأفئدتهم الفوز العظيم الذي يعقب التجارة الرابحة، وهو وعد الله -تعالى- الذي وعد به عباده الصادقين بالمغفرة والجنان قائلا في محكم التنزيل: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 12]، ومع هذا الوعد وعد آخر تحبه النفوس وتطلبه وقد جبلت عليه، يمنحه الله بمنه وكرمه لمن شاء من عباده، وهو في قوله –تعالى- بعد الآية السابقة: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13].وبعد كل ما سبق، فلا يخافنَّ موحد على مستقبل هذه الدولة المباركة مهما حصل من النوائب والزلزلة وفقدان الأرض، وحسب كل صادق أن أقر الله عينه برؤية الدين عزيزا محكما بين المسلمين وأبناء الإسلام يناجزون العالم كله عن أمر ربهم جل وعلا، فطوبى لقتلة في سبيل الله بعد هذه العزة وهذا الخير العميم، ولو كان الإمام المجاهد أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله- حيا بيننا فماذا عساه أن يقول بعد أن قال في وقته: "ويكفينا قبل حسم النتيجة أن قرت عيوننا برؤية أبناء الإسلام يثبتون كالجبال الرواسي على خطوط الفلوجة المباركة، ويلقنون الأمة دروساً جديدة في الجلد والصبر واليقين" [وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة].

إن دولة الإسلام كانت ولا تزال تروى بدماء خيرة أبناء المسلمين من مهاجرين وأنصار ممن صدقوا مع ربهم سبحانه، فمن فاته هذا الخير في زمان الفتن والملاحم فقد فاته الخير كله، لأن الثبات وقت الشدائد والرزايا والخطوب هو ديدن الصادقين الذين كتب الله لهم المراتب والمنازل العلا في الجنة بقدر صبرهم على الفتن والابتلاءات، وستبقى ثلة من أولياء الله الصادقين ثابتين مهما تساقط من حولهم المتساقطون حتى يتسلم الراية عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، فيلقى تلك الثلة الثابتة الصادقة فيبشرهم، فبماذا يبشرهم؟ قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- عنهم: (يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة) [رواه مسلم].

فيا أيها الصادق الموحد، يا من رماك الكفار جميعهم عن قوس واحدة وأنت صابر محتسب ثابت، أبشر بدرجة في الجنة تقر بها عينك، ولن تكون تلك الدرجة إلا لمن صبر وظفر بإحدى الحسنين.



صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ إن الصدق لا يمكن أن يكون حقيقة ملموسة فيمن يدعيه بمجرد الدعاوى ...

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

إن الصدق لا يمكن أن يكون حقيقة ملموسة فيمن يدعيه بمجرد الدعاوى الخاوية من الأفعال، إلا بعد أن تتجسد تلك الدعاوى واقعا على أرض الجهاد، فلا يكون المرء صادقا إلا حين تسمو نفسه إلى مراقي الفلاح فتسعى بخطوات عملية وتقف موقف الصدق لتثبت ما تدعي أثناء مسيرها في طريق الدعوة إلى الله، الذي حُفَّ بأعظم الكربات والمكاره، فليس الصادق اليوم من يجد الأعذار لنفسه للهروب من مواقف الصدق مع الله -تعالى- حين يشتد البلاء، وليس الصادق من يرمي فشله ونكوصه وانهزامه على مواقف المنهزمين، وليس الصادق من يترك جماعة المسلمين ويتشبث بالأشخاص متذرعا بالذين يَحصُر الحقَّ في أقوالهم وأفعالهم، إنما الصادق الذي لا يرى لنفسه عذرا ولو كان من أهل الأعذار، والصادق لا يأبه بانتكاس من يشار له بالبنان ولو عُدَّ من الأخيار، والصادق هو الذي يتشبث بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بلزوم الجماعة والإمام، وإن تنازع المتنازعون وركبتهم الأهواء فتركوا جماعة المسلمين.

إن دولة الخلافة لا تمضي إلا بأفعال الصادقين الذين يبذلون دماءهم رخيصة في سبيل الله ولا يحسبون حسابا للنتائج بعد ذلك، لأن هذه المواقف هي التي تستجلب النصرين، الشهادة في سبيل الله أو الظهور والتمكين، وكلاهما سبيل بقاء عزة الدين وبقاء كلمة التوحيد فوق كلمات الباطل.

إن أعظم موقف في أول ظهور الإسلام على الكفر هو موقف الصحابة البدريِّين، الذين كان منهم الصحابي الجليل حارثة بن سراقة -رضي الله عنه- الذي قُتل في أول معركة له وهي معركة بدر، فنال أعلى المراتب وحاز أسمى المطالب، وذلك حين أصابه سهم لا يعرف من رماه، فأصاب به الفردوس الأعلى بصدقه مع ربه جل في علاه، حينها جاءت أمه الثكلى لتعرف مصير ابنها الذي لم يكن في نظرها قد فلق بالسيف الهامات، أو سطر تاريخ البطولات، لتسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مصير ابنها القتيل بهذا السهم الذي لا يعرف راميه، أمسلم أم كافر، فعن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتل يوم بدر أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال يا أم حارثة: (إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى) [رواه البخاري].

إن موقف صدق واحد يكفي للوصول إلى دار السعادة، فأولئك الصحابة الكرام الذين وقفوا موقف ساعة من نهار، سموا بالبدريِّين للتعريف بفضيلتهم، فهم أجلُّ الصحابة وأفضلهم وأرفعهم قدرا ومنزلة بين باقي الصحابة الكرام، لأنهم حين وقفوا وقفتهم كانوا قلة في العدد والعدة، فوقفوا موقفا في ذروة ضعفهم المادي، وذروة صدقهم مع الله –تعالى- مواجهين أبناء عمومتهم، متبرئين من شركهم، مناجزين إياهم بالسيوف، فكان فعلهم وجهادهم كما سمَّاه الله -تعالى- الفرقان يوم التقى الجمعان، فأنزل معهم ملائكته لتذود عنهم وتنصرهم، ولم تكن لبعض الأسياف والعصي وبعض الخيالة أن تهزم جموع الكافرين إلا بالصدق في نصرة الدين وترك الملذات والحرص على الحياة.

لقد سما صرح الخلافة بمواقف الصادقين الذين صدقوا عهدهم مع ربهم -نحسبهم والله حسيبهم-، فمن مواقف صدقهم هو وضوح غاية جهادهم من أول يوم بذرت فيه بذرة التوحيد على أرض الرافدين فأثمرت دولة الإسلام، لأن مشيديها نحسبهم من الصادقين الذين لم يرتابوا في دينهم وأخذوا الكتاب بقوة فأبطلوا مناهج الباطل وقاتلوا القريب والبعيد على أساس الولاء والبراء وشيدوا للحق دولة، وقد حفظ الله -تعالى- هذه الدولة فاستمر جهادها حتى قامت بواجب العصر المضيع، وذلك بإعلان الخلافة التي جمعت شتات الصادقين في أصقاع الأرض.

إن الصادقين اليوم هم الذين يمضون في طريقهم لا ينتظرون نتيجة عاجلة، فعاجل ما يريدون أن تُغمض أعينهم لتبصر أعالي النعيم وقناديل العرش بجوار الرحمن جل في علاه، فهم الذين يبذرون بدمائهم بذور التوحيد لتثمر في ربوع أرض الله بالتمكين، فلا ينأون بأنفسهم وينظرون من بعيد أو يقعدون مع النساء والذرية وينتظرون النتائج، بل يرمقون بأفئدتهم الفوز العظيم الذي يعقب التجارة الرابحة، وهو وعد الله -تعالى- الذي وعد به عباده الصادقين بالمغفرة والجنان قائلا في محكم التنزيل: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 12]، ومع هذا الوعد وعد آخر تحبه النفوس وتطلبه وقد جبلت عليه، يمنحه الله بمنه وكرمه لمن شاء من عباده، وهو في قوله –تعالى- بعد الآية السابقة: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13].وبعد كل ما سبق، فلا يخافنَّ موحد على مستقبل هذه الدولة المباركة مهما حصل من النوائب والزلزلة وفقدان الأرض، وحسب كل صادق أن أقر الله عينه برؤية الدين عزيزا محكما بين المسلمين وأبناء الإسلام يناجزون العالم كله عن أمر ربهم جل وعلا، فطوبى لقتلة في سبيل الله بعد هذه العزة وهذا الخير العميم، ولو كان الإمام المجاهد أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله- حيا بيننا فماذا عساه أن يقول بعد أن قال في وقته: "ويكفينا قبل حسم النتيجة أن قرت عيوننا برؤية أبناء الإسلام يثبتون كالجبال الرواسي على خطوط الفلوجة المباركة، ويلقنون الأمة دروساً جديدة في الجلد والصبر واليقين" [وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة].

إن دولة الإسلام كانت ولا تزال تروى بدماء خيرة أبناء المسلمين من مهاجرين وأنصار ممن صدقوا مع ربهم سبحانه، فمن فاته هذا الخير في زمان الفتن والملاحم فقد فاته الخير كله، لأن الثبات وقت الشدائد والرزايا والخطوب هو ديدن الصادقين الذين كتب الله لهم المراتب والمنازل العلا في الجنة بقدر صبرهم على الفتن والابتلاءات، وستبقى ثلة من أولياء الله الصادقين ثابتين مهما تساقط من حولهم المتساقطون حتى يتسلم الراية عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، فيلقى تلك الثلة الثابتة الصادقة فيبشرهم، فبماذا يبشرهم؟ قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- عنهم: (يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة) [رواه مسلم].

فيا أيها الصادق الموحد، يا من رماك الكفار جميعهم عن قوس واحدة وأنت صابر محتسب ثابت، أبشر بدرجة في الجنة تقر بها عينك، ولن تكون تلك الدرجة إلا لمن صبر وظفر بإحدى الحسنين.



صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

تعلموا أمر دينكم • صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ: ➊ - اعتقاد بطلانها. ➋ - تركها والتبرؤ منها. ➌ ...

تعلموا أمر دينكم

• صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ:
➊ - اعتقاد بطلانها.
➋ - تركها والتبرؤ منها.
➌ - بغضها وعداوتها.
➍ - تكفير أهلها.
➎ - معاداتهم في الله.

والدليل قوله تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة: ٤]

إذاً فمن لم يحقق هذه الصفة لم يكن مؤمناً بالله كافرا بالطاغوت، بل العكس، لأن الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله ضدان لا يجتمعان في قلب إنسان أبدا، إذ لا يمكن أن يوصف الشخص بأنه مشرك وموحد في نفس الوقت، بل لا بد له من أحد الوصفين لا محالة، إذ لا ثالث لهما، لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } وقوله: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }

فهذا الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به ونجتنبه، وهذه عبادته التي نهينا عنها وأمرنا بتركها وتكفير أهلها ومعاداتهم.

- كتاب تعلموا أمر دينكم صادر عن ديوان الدعوة والمساجد / سلسلة (4)
...المزيد

فَوَائِدُ الذِكر 2 قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله" ...

فَوَائِدُ الذِكر 2


قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله" [أخرجه البيهقي].

قال ابن القيم: "ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء؛ فإذا ترك الذكر صدئ؛ فإذا ذكر جلاه".

◾ من فوائده:

▪ سبب لرزق الله وعطائه
▪ يحط الخطايا ويذهبها
▪ يورث الهيبة لله وإجلاله
▪ يورث الإنابة والقرب من الله
▪ أنه أصل موالاة الله ورأسها
▪ أنه غراس الجنة وزرعها
▪ أنه رياض الجنة في الدنيا
▪ أن دور الجنة تبنى بالذكر
▪ الذكر رأس الشكر وأساسه
▪ سبب لتصديق الله لعبده
▪ سبب لذكر الله للذاكر في الشدة
▪ يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة
▪ الذاكر يسعد بذكره، ويسعد به جليسه
▪ أنه نور للذاكر في دنياه، وفي قبره ومعاده
▪ إدامته تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها
▪ في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء إلا ذكر الله
▪ الذاكر قريب من الله والله معه، وهذه معية خاصة
▪ أكرم الخلق من المتقين من لا يزال لسانه رطبا بذكره
▪ ما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بمثل ذكر الله
▪ من أكبر العون على الطاعة؛ فهو يحببها ويسهلها ويلذذها


[الوابل الصيب - بتصرف يسير]
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-:

"فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى، زانته، وإن افتقر، فتحت له أبواب الصبر، وإن عوفي، تمت النعمة عليه، وإن ابتلي، جمّلته. ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد، أو أعراه، أو أشبعه، أو أجاعه؛ لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير، والتقوى أصل السلامة، حارس لا ينام، يأخذ باليد عند العثرة، ويواقف على الحدود".

[صيد الخاطر]
...المزيد

أحلام الجولاني المفتون بالحكم في الوقت الراهن تتجاذب دوائر صنع القرار اليهودي طريقتين للتعامل مع ...

أحلام الجولاني المفتون بالحكم

في الوقت الراهن تتجاذب دوائر صنع القرار اليهودي طريقتين للتعامل مع المشهد السوري الجديد، الطريقة الأولى تتمثل في حسم الملف أمنيا وعسكريا، وعدم الوثوق بالنظام الجديد مهما قدّم من قرابين وعرابين، ومهما التزم بآداب حسن الجوار أسوة بنظيره الأردني والمصري وهلم جرا.

بينما الطريقة الثانية وتؤيدها مراكز أبحاث "الأمن القومي اليهودي" تتمثل في التعامل مع النظام السوري الجديد كحليف محتمل مستقبلا، أسوة بسلفه "الأسد" الذي كان يرفع شعار "المقاومة" في الهواء وعلى الأرض يلتزم التزاما حديديا بحماية الحدود اليهودية! مع فارق أن الطاغوت الجديد لا يرفع أي شعارات سوى "السلام".

لكن تبقى النزعة الأمنية اليهودية حتى الآن متغلبة على غيرها في التعامل مع المشهد السوري، وهو ما يصطدم بالأحلام الجولانية الواعدة لمد جسور السلام والوئام مع العدو التقليدي للمسلمين تشبُّثا بالحكم وليس ثمة شيء آخر.

فالسلوك الرسمي للنظام السوري الجديد بدا واضحا منذ الأيام الأولى لتسلُّمه الحكم، وكان حاسما لا يقبل المواربة بأن "سوريا الجديدة" لن تشكل خطرا على اليهود! ولن تسمح لأحد بذلك! وهذا شيء متوقع ليس في الفترة الانتقالية فحسب، بل حتى لو حكم الجولاني مئة عام فلن يسعى لإغضاب الجار اليهودي!، فالرجل المفتون بالحكم طلّق دينه ثلاثا من أجل هذه "اللحظة التاريخية!" أتراه يغامر باللعب في الملف الأخطر على الإطلاق وهو الأمن اليهودي؟!

افتتاحية النبأ "الجولاني بين جدارين" 488
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 506 الافتتاحية: • رعاة خنازير الإفرنج! بينما تتدفق ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 506
الافتتاحية:

• رعاة خنازير الإفرنج!

بينما تتدفق دفعات المهجّرين من "السويداء" بإرادة يهودية وخضوع سوري رسمي؛ تدفقت الأخبار عن عملية أمنية مشتركة قاد فيها التحالف الصليبي جنوده "السوريين" لغزو بيت للمسلمين بمدينة "الباب"، لتنتهي العملية بمقتل مجاهد ونجليه وأسر ذويه! ثم تتناقل المنصات الحكومية الثورية "نجاح العملية" بكل فخر واعتزاز!

تُذكّرنا "واقعة الباب" بجرائم جيش "أردوغان" العلماني الذي دكها قبل سنوات بمئات الغارات الجوية لأنها كانت تُحكم بالشريعة، وها هو الجولاني اليوم يكمل المهمة خلف القيادة الأمريكية التي تقوده وأسياده في "إسطنبول".

لقد بات ثابتا لدى الجميع أن التعاون بين الطاغوت الجولاني والصليبيين في الحرب على الإسلام ليس جديدا، غير أنه هذه المرة جاء أكثر وضوحا ورسوخا في "تحقيق مناط الردة" لأولئك الذين ما زالوا يفرون من تحقيقه ويتعامون عن تحقّقه منذ زمن، فما جرى في "واقعة الباب" مظاهرة ومعاونة وموالاة صريحة للمشركين على المسلمين، وهي مناط كفر وردة وناقض من نواقض الدين، كما قال ابن حزم في المحلى: "وصحّ أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين". اهـ.

لقد استغرق "تحقيق" هذا المناط عشرات الجلسات والمناظرات السفسطائية بين الجهاديين منذ بداية غدر الصحوات بالدولة الإسلامية في الشام، بينما يتحقق اليوم على مرأى ومسمع العالم، وتتسابق قنوات الثورة على بثه وإثباته بعد أن مكثت سنوات تنفيه وتكذّبه! {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}.

وليست الصورة من قبيل الاستعانة بالكافر على قتال المسلم فهذا توصيف آخر، لأن ما يجري هو تجنيد وتسخير للنظام السوري الجديد في الحرب على الإسلام، بعد أن خضع قادته لأمريكا الصليبية وركعوا تحت أقدامها وتجندوا تحت رايتها، فصاروا خدما لها وجندا محضرين في تحالفها، تسيّرهم وتسوسهم وتقودهم.

دعوة إلى الله، نخاطبك أيها الجهادي المرتاب، أليس ما يجري ردة صريحة ومظاهرة للكافر "الصهيوصليبي" -كما تسمونه- على المسلم المجاهد المرابط على ثرى شام الكرامة والإباء؟ فهل أسلمتم "الصهيوصليبية" أم كفّرتم الدولة الإسلامية؟ ما الفرق بين تبعية الطاغوت الجولاني لـ "الصهيوصليبية العالمية" وتبعية بقية طواغيت الحكم لها؟! أحرام على ابن زايد والسيسي وجيوشهم؟! حلال للجولاني وجيشه؟!

أليس هذا هو الجولاني ذاته الذي حارب "القاعديون" مشروع الدولة الإسلامية؛ لأجل مشروعه الثوري ودولته المدنية؟! أليس هو الذي لأجله حكموا على الدولة الإسلامية بالخارجية، بينما نحت "مشايخهم وحكماؤهم" صورة للجولاني لم ينحتها هو لنفسه رغم ولعه وهوسه بنحت الأوثان، فهل أدركتم البون الشاسع بين بصيرة الدولة الإسلامية وعمه تنظيماتكم؟! هل عاينتم الفرق بين الهداية والضلال؟! {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

لقد رفض "المعتمد بن عباد" الاستعانة بالصليبيين على خصومه الملثّمين في دولة المرابطين، وخلّد التاريخ موقفه يوم قال: "أهون الأمرين أمر الملثّمين، ولأن يرعى أولادنا جِمالهم، أحبّ إلينا من أن يرعوا خنازير الإفرنج!". بينما لسان حال الجولاني وجنوده اليوم: "لأن نرعى خنازير الإفرنج أحب إلينا من بقاء الدولة الإسلامية".

بل لم يكتف الطاغوت الجولاني برعي خنازير الصليبيين، فبات يسعى إلى رعي خنازير اليهود وربما سقْي "غردقهم" عما قريب بدماء جنوده الكفرة الفجرة، وهو ما بدت تتضح ملامحه في "ملف السويداء" الذي جرجر قاد ةَ النظام السوري أذلةً حقراء إلى المحافل اليهودية الفرنسية لتقديم الولاءات وتجديد التعهدات بالالتزام بالخطوط اليهودية الحمراء، وهو ما تم ترجمته عمليا على أرض السويداء عبر "حافلات الفاتح" في خطوة مشبوهة تهدف لإحداث تغيير "ديموغرافي" في الجنوب السوري، وما السويداء إلا البداية.

ولعل من معالم خذلان هذا النظام أنه ما خطا خطوة إلا انتكس بدلا منها عشرة، فلم تمض سوى أيام على إطلاق هويته البصرية الجاهلية التي أرادها رمزا لـ "سوريا موَّحدة" وإذْ بشبح "التقسيم" يطل برأسه من السويداء التي لعب فيها الجولاني -فجأة- دور المخلّص للدروز من "فزعة" سكان الأرض الأصليين، بعد أن ورطهم في معركته السياسية ثم تركهم وحدهم تحت شعار: "إن غابت عصائبنا حضرت عشائرنا"، فماذا كان مصير "العشائر" غير الحصار والخذلان والتهجير؟! خدمة للمشروع اليهودي الذي يزدهر كثيرا في حقبة الجولاني المتشبّث بالحكم ولو تحت حِراب الدجال!"ممر داود" الذي حلمت به دويلة يهود منذ نشأتها، بدا أكثر نضجا في عهد الجولاني الذي يعاني من "متلازمة الخيانة" حتى بات كثير من أصدقائه الثوار يتهامسون في خلواتهم ويتخافتون فيما بينهم: "هل يكون نظام الجولاني أكثر خدمة لليهود من نظام الأسد؟"، لقد جاءت مخاوف هؤلاء بعد إدراكهم أنّ ما يمليه اليهود والصليبيون على النظام السوري في المحافل الدولية في باريس وأذربيجان وغيرها، يقابله الجولاني بـ: "نعم سيدي!".

في الجانب الشرعي، فإن الدروز طائفة باطنية كافرة تتقاسم مع اليهود العداء والحقد على المسلمين وليس لها من الإسلام اسم ولا رسم، وهي طائفة معادية محاربة قبل خلافها المناطقي مع نظام الجولاني وأنصاره، وقد عالجت الدولة الإسلامية مبكرا ملف الدروز بحكم الله تعالى، فأعملت سيوفها فيهم قتلا وتشريدا، فكان أنصار الجولاني وأشباههم أول من أنكر واستنكر، وعدّوا ذلك "اعتداء على حرمة الدم السوري!"، بينما صاروا اليوم ينعتون الدروز بالعمالة والخيانة لليهود في خصومة سياسية بحتة ليس للدين فيها نصيب!

أما الدولة الإسلامية فقد بقيت رايتها خفاقة براقة بين ظلمة الرايات الجاهلية، وبقي مشروعها طاهرا ناصعا نقيا لم يتلوث أو يتدنس، وبقي جنودها -على محنتهم- جنودا للشريعة كماة حماة لها، بينما صار الثوار جنودا في جيش التحالف الصليبي؛ هذا برتبة "رئيس دولة" لا يملك من أمرها شيئا، وذلك "وزير عدل" أبدل الشريعة بالديمقراطية فتلبس بالظلم العظيم، وتلك "وزارة دفاع" عن المصالح الأمريكية واليهودية، قوامها جيش من الشبيحة الجدد لا يعرفون سوى: "نعم سيدي" ولو رعوا خنازير الفرنجة واليهود، {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}.



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 506
السنة السابعة عشرة - الخميس 6 صفر 1447 هـ

المقال الافتتاحي:
رعاة خنازير الإفرنج!
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5) تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5)


تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم بأخبار الغيب، وتبليغها للمسلمين، وتدارسها، والتحقق منها، ونتكلم اليوم عن جانب آخر مهم من هذا الباب يتعلق بالاجتهاد في تأويل هذه الأخبار، وتطبيقها على الوقائع التي يعيشها المسلمون، بناء على قرائن يجدونها تطابق ما جاءهم من أخبار الوحيَين.


• أهل الكتاب يتعرَّفون على النبي الموعود

فقد أمر الله -سبحانه- أهل الكتاب باتباع رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أخبرهم عن ظهوره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم الذين يزعمون الإيمان بهم واتباعهم، ودلَّهم على وسيلة التأكد من صدق هذا النبي بمطابقة أوصافه لأوصاف الرسول الذي وعدهم بخروجه بعد فترة من الرسل، فقال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156-157].

وهذا المنهج في التأكد من مطابقة أوصاف الوقائع والطوائف والأعيان لما ورد بخصوصها في أخبار الغيب يعلمه أهل الكتاب، بل وطبَّقه بعضهم للتحقق من نبوة النبي، عليه الصلاة والسلام، كما فعل عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- للتأكد من ذلك قبل إسلامه، بأن سأله عن صفات يجب أن تتوفر فيه ليكون على صفة من ورد في الأخبار، كمعرفته لأمور لا يعرفها إلا الأنبياء، فعن حميد عن أنس -رضي الله عنه- قال: "بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي" [رواه البخاري]، فلما أجابه عنها، عليه الصلاة والسلام، أسلم له وكان من صحابته، وترك ملة آبائه وأجداده، أما بقية قومه، فرغم تصديقهم بالأخبار الواردة فيه، ومعرفتهم لأوصافه، وانتظارهم لخروجه، فإنهم اختاروا عداوته والكفر به، وذلك أنهم ظنوا أنه يخرج في بني إسرائيل، فكان في أمة غيرهم، كما قال -تعالى- فيهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].

كما وجدنا في قصة هرقل أنه تأكد من نبوته -عليه الصلاة والسلام- من خلال سؤاله أبا سفيان -رضي الله عنه- عن أوصافه وأخباره، فتبين له أنه نبي، وأنه هو الذي وُعدوا به في كتبهم، فقال: "إن يكن ما تقول فيه حقاً فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنّه منكم" [متفق عليه]، فصدَّق بنبوته، ولم يؤمن به، ضناً بملكه، وخوفا على سلطانه.


• النبي وصحابته يتحققون من ابن صياد

وهذا المنهج، هو منهج نبوي، اتبعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحقق من مطابقة الواقع لما جاءه من الأخبار، كما فعل في قصة ابن صياد، عندما كان صبيا، فيه بعض الصفات التي يعلمها في المسيح الدجال الذي حذَّر أمته منه، فعن عبد الله بن عمر: أن عمر انطلق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رهط قِبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم قال لابن صياد: (تشهد أني رسول الله؟)، فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأُميِّين، فقال ابن صياد للنبي، صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال: آمنت بالله وبرسله، فقال له: (ماذا ترى؟)، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (خلط عليك الأمر)، ثم قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئا)، فقال ابن صياد: هو الدّخُّ، فقال: (اخسأ فلن تعدو قدرك)، فقال عمر، رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن يكُنهُ فلن تسلط عليه، وإن لم يكُنهُ فلا خير لك في قتله) [رواه مسلم].فلم يتمكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من التبيُّن من ابن صياد كونه هو المسيح الدجال، أم لا، ولكن رغم ذلك، اجتهد بعض صحابة رسول الله، وحكموا عليه أنه هو المسيح الدجال، فلم ينكر عليهم ذلك، كعمر وابنه عبد الله وجابر، رضي الله عنهم أجمعين، فعن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي، صلى الله عليه وسلم [متفق عليه]، وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد [رواه أبو داود].

ونجد أن شك الصحابة في ابن صياد لم يتوقف، واستمروا في الحذر منه، وكراهية مخالطته، رغم ما ظهر منه من صفات تخالف ما جاءهم في الأخبار من صفات الدجال، فعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صائد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنه لا يولد له)، قال: قلت: بلى، قال: فقد وُلد لي، أو ليس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يدخل المدينة ولا مكة)، قلت: بلى، قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده، ومكانه، وأين هو، قال: فلبسني [رواه مسلم].

بل وقد كان من أولاده من جعلهم الله أئمة في الدين، كعمارة بن عبد الله بن صياد، رحمه الله، روى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار، وروى عنه مالك والضحاك، وقال عنه يحيى بن معين: ثقة [الجرح والتعديل].


• علي يحكم على الخوارج

وهكذا مضى الصحابة -رضوان الله عليهم- هم ومن تبعهم، يجتهدون في الحكم في أخبار الفتن والملاحم كلما وجدوا من القرائن ما يعينهم على ذلك، كما فعل علي -رضي الله عنه- ومن معه في قصة الخوارج الذين خرجوا عليه، فحرَّض المسلمين على قتالهم، مستعينا على ذلك بما يعلم من أخبار الغيب، وظنَّ أنها جاءت فيهم وفي أمثالهم من المارقين عن الشريعة، فعن سلمة بن كهيل قال: حدثني زيد بن وهب الجهني، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي -رضي الله عنه- الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي، رضي الله عنه: أيها الناس، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة)، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله [رواه مسلم].

وهكذا وجدنا اجتهاد الصحابة في الحكم على الأحداث، كما أوردنا -في الحلقة الماضية- في جزم حذيفة أن عمر -رضي الله عنهما- لن يشهد الفتنة التي تموج كموج البحر، لأنها لا تكون إلا بعد مقتله، واجتهادهم في الحكم على الطوائف، كحكم علي -رضي الله عنه- على الخوارج بأنهم من المقصودين في حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي يوصي فيه بقتلهم وقتالهم، واجتهادهم في الحكم على الأعيان، كحكمهم على ابن صياد أنه هو الدجال الذي جاءت الأحاديث بالتحذير منه، رغم أن من صفاته ما يناقض تلك الأخبار.

والمحصلة أن الاجتهاد في هذا الباب من أبواب العلم وارد من السلف، رضوان الله -تعالى- عنهم، وأن لهذا الاجتهاد منهجا لمن أراد التوصل من خلاله إلى الأحكام الصحيحة، لا على طريقة أهل الهوى والضلال الذين طفقوا يطبقون أخبار الغيب على واقعهم بغير هدى ولا كتاب منير، كما سنجد في الحلقة القادمة من هذه السلسلة، بإذن الله تعالى.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً