الجهادُ بالدُّعاء [1/2] الدعاء سلاحٌ قويٌّ ماضٍ فتاك، به تُكشف المصائب ويُمنع الهلاك، وبه ...

الجهادُ بالدُّعاء
[1/2]

الدعاء سلاحٌ قويٌّ ماضٍ فتاك، به تُكشف المصائب ويُمنع الهلاك، وبه يدافعُ المؤمن البلاء ويدفع كيد الأعداء، وبه تُستجلبُ النعم وتُستدفعُ النقم، وبه تفرَّجُ الهموم وتزول الغموم، والدعاء أخصُّ سمات العبادة، بل إن الدعاء هو العبادة، ففيه كمال الحب وكمال الذل، لله الواحد الحكم العدل، فيه يناجي العبدُ ربَّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وهو سلوانٌ للقلوب شفاءٌ للصدور بلسمٌ للجروح تيسيرٌ للأمور، والدعاء حرزٌ ضليع وحصنٌ منيع، ولا شيء أكرم على الله من الدعاء وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، فهو عبادة يسيرة، ميسورةٌ في الليل والنهار مبذولةٌ في البر والبحر مشروعةٌ في الإقامة والسفر، الداعون يفرُّون إلى الرحيم الرحمن العلام، ويتعلقون بربهم الملك القدوس السلام، فتراهم حال الدعاء منطرحين بين يدي أكرم الأكرمين، قاطعين صِلاتهم بالعالَم متوجهين لرب العالمين، متخلصين من رقِّ حاجة الناس ومِنَّتهم، مخلصين لربهم في التماسهم، طامعين بفضله عليهم...

هذا هو الدعاء، فما أحوج المسلم إليه في هذه الأيام التي تداعت فيها على جماعة المسلمين كل أمم الكفر وملله ونحله! فلْينتبه المجاهد في سبيل الله إلى أهمية هذا السلاح وضرورة الاهتمام به ووجوب إتقانه وترك التعلق بغير السميع المجيب، كما ولْيشارك كل مسلم ومسلمة في مجاهدة أعداء الله بهذا السلاح الرباني الناجع، قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي]، ولا يقتصر الجهاد باللسان على التحريض على الجهاد ومدح المجاهدين وذم القعود وهجو الكافرين؛ بل إنَّ من أهمِّ أنواع جهاد اللسان: الدعاء، بأن يدعو المسلم على المشركين بالهزيمة وللمؤمنين بالنصر.

ويتأكد هذا النوع من الجهاد (الجهاد بالدعاء) بحق من لم ييسر الله لهم القتال في سبيله لأي عذرٍ من الأعذار الشرعية، كالمرأة والمريض والعاجز والمحبوس... فعلى هؤلاء الدعاء للغزاة في سبيل الله، لأن الله تعالى عندما عذرهم من القتال، اشترط عليهم لقبول عذرهم أن ينصحوا لله ولرسوله، ومن ذلك الدعاء لأولياء الله، أتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91].

بل إنَّ دعاء هؤلاء الضعفة من أهم أسباب انتصار المسلمين وهزيمة الكافرين، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لسعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما ظنَّ أن له فضلٌ على من سواه من ضعفاء المسلمين: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم) [رواه البخاري]، وفي رواية النسائي: (إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).

قال ابن حجر العسقلاني: «قال السهيلي: الجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء» [فتح الباري]، وهذا من الأمور الظاهرة الثابتة، إلا أن في هذه الأيام بعض المهزوزين المنهزمين الذين استسلموا لهبل التكنولوجيا العسكرية وسلَّموا مقدَّماً بانتصار الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية، تركوا الدعاء، وكأنَّه لا يجدي نفعاً، والعياذ بالله! وذلك السلوك الخاطئ لدى بعض الناس إنما سببه الجهل بهذا السلاح، فإنهم لو علموا أهمية الدعاء وعظيم آثاره وكيفيته وآدابه وسمعوا قصص استجابة الله تعالى لعباده، لما زهدوا فيه وتمسكوا بغيره.

وعلى العبد أن يعلم أن للدعاء ثمراتٍ عديدة وفضائل كثيرة تعزُّ على الحصر، منها: أنه امتثال لأمر الله عزَّ وجلَّ القائل: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56]، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، وأن فيه كمال التوكل والذل والتواضع لله تعالى القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ومنها: أنه سبب لدفع البلاء قبل نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يرد القدر إلا الدعاء) [حديث حسن رواه ابن ماجه وابن حبّان والحاكم] كما أنه سببٌ لرفع البلاء بعد نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) [حديث حسن رواه الحاكم]، ومنها: أنه سبب لحصول المطلوب في الدعاء، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها) [حديث صحيح رواه أحمد والحاكم]، وهكذا فإن للدعاء شأنٌ عظيم!


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

إن هي إلا أسماء سمّيتموها إن من يرجع إلى تاريخ الوثنية والأوثان، يجد أنهم من سخف عقولهم كانوا ...

إن هي إلا أسماء سمّيتموها

إن من يرجع إلى تاريخ الوثنية والأوثان، يجد أنهم من سخف عقولهم كانوا يصنعون أوثانهم بأيديهم ثم يطلقون على ما صنعوه الأسماء المفخّمة، ويعطونها الأوصاف التي لا تجوز لغير الله عز وجل، ليتّخذوها بذلك آلهة من دون الله.

فإذا غاب عنهم الوثن أو فُقد، لتحطّمه أو سرقته أو لصعوبة نقله في الأسفار، لم يجد الوثني غضاضة في أن يصنع لنفسه وثنا جديدا، يطلق عليه نفس الاسم، ويعطيه بذلك نفس الصفات التي سبق له أن أعطاها للوثن الأصلي، بل يروى عن سفهاء الجاهلية أن أحدهم إذا ما نزل منزلا في سفره اختار من حجارة الأرض التي ينزل فيها أربعة أحجار، يجعل ثلاثا منها أثافي للقدر، ويتخذ من الرابع وثنا يعبده، بعد أن يعطيه اسم «إله»، وبالتالي يحوز الحجر الجديد صفات «الإله» بمجرد إكسابه هذا الاسم.

ومما يؤكّد هذه الحقيقة أيضا الروايات المختلفة عن دخول الأوثان إلى جزيرة العرب، التي تُجمع على أنها نُقلت بأعداد قليلة من البلدان المجاورة، ثم انتشرت بكثرة في أنحاء الجزيرة كلها، فالذي انتشر هو أسماء الأوثان المعبودة في بلدان أخرى، اقتبسها مشركو جزيرة العرب عن إخوانهم في العراق والشام وفارس والروم ومصر، بل إن من يدرس تاريخ الحضارات الجاهلية القديمة يجد أن كثيرا من أوثان اليونان والرومان والفرس والهند والصين انتشرت في الأرض بسبب هذا الأمر، إذ يأخذ كل شعب عمَّن يجاوره أسماء أوثانه بعد ذيوع صيتها، ليلقيها على ما في بلده من الحجارة والأشجار، وما يراه فيه من النجوم والكواكب، مع اختلافات بسيطة في اللفظ ترجع لاختلاف اللغات.

هذه الحقيقة في الأساس مرجعها إلى كتاب الله -عز وجل- الذي بين هذا الأمر في خطابه للمشركين: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ} [النجم: 19-23]، كما جاء هذا البيان للمشركين على لسان نبي الله هود -عليه السلام- لقومه لما استنكروا عليه أمره لهم بعبادة الله وحدة وترك ما يعبدون من الأوثان: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} [الأعراف: 71]، وكرّر يوسف -عليه السلام- المعنى ذاته في دعوته لمن معه في السجن إلى عبادة الله وحده فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 39-40].

ولا زلنا نرى اليوم هذه الصورة من الوثنية البدائية لدى الوثنيين في كثير من أصقاع العالم، فها هم الوثنيون المشركون في الصين والهند ما زالوا يصنعون التماثيل بأيديهم ثم يطلقون عليها أسماء بوذا وأشباهه من الطواغيت، وهم في عقولهم القاصرة وأفهامهم الفاسدة يعتقدون أنه بمجرد أن تنحت حجرا بصورة معينة وتطلق عليه اسما معينا فإن روح الطاغوت ستحل في هذا الحجر ويصبح بذلك سامعا لدعائهم، بصيرا بسجودهم له، فرحا باجتماعهم حوله في معبده، ولو نظرنا في حقيقة الأمر فهؤلاء المشركون إنما يعبدون الأسماء التي أطلقوها على تلك الأحجار المنحوتة، التي هي أسماء طواغيتهم الذين ليس لهم وجود في عالم الواقع غير تلك الأسماء.

وفي ظل ما نشاهده في أيامنا هذه من عبودية للتنظيمات والفصائل والأحزاب، فإننا إذا دققنا في واقع تلك التجمعات من البشر نجد أن أتباعها إنما يتّبعون سبيل المشركين في تقديسهم الأسماء التي لم يأمر الله بتقديسها، بل ويعبدون تلك الأسماء بطريقة أو بأخرى، شاءوا الاعتراف بذلك أم أبوا، علموا ذلك أم لم يعلموا، ولا أدلّ على ذلك من تمسّكهم بتلك التنظيمات المنحرفة، تعصّبا لأسمائها المشهورة، واعتقادا من كثير منهم أن بقاء الإسلام مرتبط ببقاء أسماء فصائلهم وتنظيماتهم، وحرصا دائما على مبارزة الخصوم بتاريخها الذي كتبوه بأيديهم ليزيدوا من خلاله من بريق تلك الأسماء.

ومن يراجع تاريخ تلك التنظيمات والأحزاب الذي يمتد أحيانا لدى بعضها إلى ما يقارب القرن من الزمان يجد أنها غيرت من عقيدتها ومنهجها عدة مرات، وأنه تعاقب عليها أجيال من القيادات والأتباع، فمنهم من هلك، ومنهم من ترك، ومنهم من انشق وشكل تنظيما جديدا، ورغم ذلك بقي الثابت الوحيد لديهم هو الاسم، حتى غدا هذا الاسم وكأنه الصنم الذي يبقى معبودا لأجيال عديدة، وكلما استجد عليه جيل من الناس كسوه حلة جديدة، وصوروه بصورة جديدة، فلا يبقى له من حاله القديمة غير الاسم الذي لا يتغير بتغير حاله، ولا بتغير عبيده.

ومن يشاهد حال الكثير من هذه الفصائل والتجمعات، يرى أنها كلما نشبت بين قادتها النزاعات، وتعرضت للتفرق والانشقاقات، فإن المتنازعين لا يتصارعون على الأتباع والمقرات والممتلكات بقدر صراعهم على حيازة اسم التنظيم، وذلك لاعتقادهم أن حيازة الاسم سيعطيهم الشرعية، ويجذب إليهم الأتباع والأنصار، ونادرا ما يتخذ المنشقون اسما جديدا لتجمعهم، لأن ذلك يعني أنهم سيمضون سنين في بناء الاسم الجديد وتعظيمه في عيون الخلق، لذلك يتصارعون حول الاسم الأصلي، فمن يحوزه يتمسك به، ومن يخسر الصراع يشتق لنفسه اسما قريبا من الاسم الأصلي يكون غالبا بإضافة كلمات جديدة عليه، توحي أن الحزب الجديد يمتلك كامل رصيد الاسم الأصلي ويزيد عليه بما استجد من شعارات تعكسها الزيادة على الاسم.

بل ونجد أنه ما إن ينتشر اسم لفصيل أو تنظيم ويصبح مشهورا، حتى يسارع بعض المفتونين بالأسماء إلى تبنّي هذا الاسم وإسباغه على تنظيماتهم وأحزابهم الجديدة، رغم عدم وجود ارتباط تنظيمي حقيقي بين التنظيم الأصلي، والتنظيمات الجديدة التي ليس لها من علاقة به غير تشابه الأسماء، وما ذلك إلا لقناعة لدى المتأخرين بأن تبني الاسم المشهور للجماعة سيسرع من عملية استقطاب الأنصار إليها.

بل ونجد بعضهم يصيبهم الكبر والغرور لمجرد استيلائهم على اسم مشهور، فيخيل لهم شياطينهم أنهم بحيازتهم لهذا الاسم وقدرتهم على منح الموافقة لتوزيع هذا الاسم على من يرتضون من التنظيمات والفصائل، أنهم صاروا بذلك أوصياء على دين الله، فلا يتعبّد اللهَ أحدٌ من الناس بهذه العبادة أو تلك إلا بإذنهم، وأنهم بامتلاكهم للاسم المشهور يحق لهم وحدهم قيادة الأمة، ويجنّ جنونهم إذا ظهر اسم جديد وانتشر واشتهر بين الناس، فلا يرون ذلك إلا مؤامرة على الدين، وحربا على الإسلام والمسلمين.

ولو دققنا في أكثر الأسماء المشهورة اليوم في عالم الأحزاب والتنظيمات، نجدها لا علاقة لها بواقع التنظيم ولا عقيدته ولا منهجه، إن لم يكن الاسم مناقضا كل التناقض لذلك، فإذا انطفأ بريق الاسم الذي يعمي الأبصار عن رؤية ما تحته من واقع، أصيب المفتونون بالصدمة، كصدمة المشرك الوثني عندما يزيل عن وثنه المعبود ذلك الاسم البراق الذي أسبغه عليه، أو تبع آباءه وأجداده في إبقائه ملتصقا به، فلا يجد في حقيقة الوثن غير قطعة من حجر لا تختلف في طبيعتها عن حجارة الأرض.

لذلك ينبغي أن ينظر المسلم إلى حقائق الأمور لا إلى أسمائها، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة الأسماء واتباع المفتونين فيها بقوله: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) [حديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجه]، وكما أن تسمية الخمر بغير اسمها لا يرفع عنها حكم التحريم، ما دامت فيها حقيقة الإسكار، فكذلك الأمور كلها، أسماؤها مرتبطة بأوصافها، فما حمل الوصف، حمل الاسم، وحمل الحكم، وليعلم المسلم أنما تعبّده الله بالإسلام، ولم يفرض عليه تعظيم اسم لم يعظمه بنفسه أو يعظمه نبيه، وأن الله -عز وجل- لن يسأله يوم القيامة عن أسماء التنظيمات والأحزاب، ولكنه سائله عن عمله، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

إن هي إلا أسماء سمّيتموها [2/2] وفي ظل ما نشاهده في أيامنا هذه من عبودية للتنظيمات والفصائل ...

إن هي إلا أسماء سمّيتموها
[2/2]

وفي ظل ما نشاهده في أيامنا هذه من عبودية للتنظيمات والفصائل والأحزاب، فإننا إذا دققنا في واقع تلك التجمعات من البشر نجد أن أتباعها إنما يتّبعون سبيل المشركين في تقديسهم الأسماء التي لم يأمر الله بتقديسها، بل ويعبدون تلك الأسماء بطريقة أو بأخرى، شاءوا الاعتراف بذلك أم أبوا، علموا ذلك أم لم يعلموا، ولا أدلّ على ذلك من تمسّكهم بتلك التنظيمات المنحرفة، تعصّبا لأسمائها المشهورة، واعتقادا من كثير منهم أن بقاء الإسلام مرتبط ببقاء أسماء فصائلهم وتنظيماتهم، وحرصا دائما على مبارزة الخصوم بتاريخها الذي كتبوه بأيديهم ليزيدوا من خلاله من بريق تلك الأسماء.

ومن يراجع تاريخ تلك التنظيمات والأحزاب الذي يمتد أحيانا لدى بعضها إلى ما يقارب القرن من الزمان يجد أنها غيرت من عقيدتها ومنهجها عدة مرات، وأنه تعاقب عليها أجيال من القيادات والأتباع، فمنهم من هلك، ومنهم من ترك، ومنهم من انشق وشكل تنظيما جديدا، ورغم ذلك بقي الثابت الوحيد لديهم هو الاسم، حتى غدا هذا الاسم وكأنه الصنم الذي يبقى معبودا لأجيال عديدة، وكلما استجد عليه جيل من الناس كسوه حلة جديدة، وصوروه بصورة جديدة، فلا يبقى له من حاله القديمة غير الاسم الذي لا يتغير بتغير حاله، ولا بتغير عبيده.

ومن يشاهد حال الكثير من هذه الفصائل والتجمعات، يرى أنها كلما نشبت بين قادتها النزاعات، وتعرضت للتفرق والانشقاقات، فإن المتنازعين لا يتصارعون على الأتباع والمقرات والممتلكات بقدر صراعهم على حيازة اسم التنظيم، وذلك لاعتقادهم أن حيازة الاسم سيعطيهم الشرعية، ويجذب إليهم الأتباع والأنصار، ونادرا ما يتخذ المنشقون اسما جديدا لتجمعهم، لأن ذلك يعني أنهم سيمضون سنين في بناء الاسم الجديد وتعظيمه في عيون الخلق، لذلك يتصارعون حول الاسم الأصلي، فمن يحوزه يتمسك به، ومن يخسر الصراع يشتق لنفسه اسما قريبا من الاسم الأصلي يكون غالبا بإضافة كلمات جديدة عليه، توحي أن الحزب الجديد يمتلك كامل رصيد الاسم الأصلي ويزيد عليه بما استجد من شعارات تعكسها الزيادة على الاسم.

بل ونجد أنه ما إن ينتشر اسم لفصيل أو تنظيم ويصبح مشهورا، حتى يسارع بعض المفتونين بالأسماء إلى تبنّي هذا الاسم وإسباغه على تنظيماتهم وأحزابهم الجديدة، رغم عدم وجود ارتباط تنظيمي حقيقي بين التنظيم الأصلي، والتنظيمات الجديدة التي ليس لها من علاقة به غير تشابه الأسماء، وما ذلك إلا لقناعة لدى المتأخرين بأن تبني الاسم المشهور للجماعة سيسرع من عملية استقطاب الأنصار إليها.

بل ونجد بعضهم يصيبهم الكبر والغرور لمجرد استيلائهم على اسم مشهور، فيخيل لهم شياطينهم أنهم بحيازتهم لهذا الاسم وقدرتهم على منح الموافقة لتوزيع هذا الاسم على من يرتضون من التنظيمات والفصائل، أنهم صاروا بذلك أوصياء على دين الله، فلا يتعبّد اللهَ أحدٌ من الناس بهذه العبادة أو تلك إلا بإذنهم، وأنهم بامتلاكهم للاسم المشهور يحق لهم وحدهم قيادة الأمة، ويجنّ جنونهم إذا ظهر اسم جديد وانتشر واشتهر بين الناس، فلا يرون ذلك إلا مؤامرة على الدين، وحربا على الإسلام والمسلمين.

ولو دققنا في أكثر الأسماء المشهورة اليوم في عالم الأحزاب والتنظيمات، نجدها لا علاقة لها بواقع التنظيم ولا عقيدته ولا منهجه، إن لم يكن الاسم مناقضا كل التناقض لذلك، فإذا انطفأ بريق الاسم الذي يعمي الأبصار عن رؤية ما تحته من واقع، أصيب المفتونون بالصدمة، كصدمة المشرك الوثني عندما يزيل عن وثنه المعبود ذلك الاسم البراق الذي أسبغه عليه، أو تبع آباءه وأجداده في إبقائه ملتصقا به، فلا يجد في حقيقة الوثن غير قطعة من حجر لا تختلف في طبيعتها عن حجارة الأرض.

لذلك ينبغي أن ينظر المسلم إلى حقائق الأمور لا إلى أسمائها، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة الأسماء واتباع المفتونين فيها بقوله: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) [حديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجه]، وكما أن تسمية الخمر بغير اسمها لا يرفع عنها حكم التحريم، ما دامت فيها حقيقة الإسكار، فكذلك الأمور كلها، أسماؤها مرتبطة بأوصافها، فما حمل الوصف، حمل الاسم، وحمل الحكم، وليعلم المسلم أنما تعبّده الله بالإسلام، ولم يفرض عليه تعظيم اسم لم يعظمه بنفسه أو يعظمه نبيه، وأن الله -عز وجل- لن يسأله يوم القيامة عن أسماء التنظيمات والأحزاب، ولكنه سائله عن عمله، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

إن هي إلا أسماء سمّيتموها [1/2] إن من يرجع إلى تاريخ الوثنية والأوثان، يجد أنهم من سخف عقولهم ...

إن هي إلا أسماء سمّيتموها
[1/2]

إن من يرجع إلى تاريخ الوثنية والأوثان، يجد أنهم من سخف عقولهم كانوا يصنعون أوثانهم بأيديهم ثم يطلقون على ما صنعوه الأسماء المفخّمة، ويعطونها الأوصاف التي لا تجوز لغير الله عز وجل، ليتّخذوها بذلك آلهة من دون الله.

فإذا غاب عنهم الوثن أو فُقد، لتحطّمه أو سرقته أو لصعوبة نقله في الأسفار، لم يجد الوثني غضاضة في أن يصنع لنفسه وثنا جديدا، يطلق عليه نفس الاسم، ويعطيه بذلك نفس الصفات التي سبق له أن أعطاها للوثن الأصلي، بل يروى عن سفهاء الجاهلية أن أحدهم إذا ما نزل منزلا في سفره اختار من حجارة الأرض التي ينزل فيها أربعة أحجار، يجعل ثلاثا منها أثافي للقدر، ويتخذ من الرابع وثنا يعبده، بعد أن يعطيه اسم «إله»، وبالتالي يحوز الحجر الجديد صفات «الإله» بمجرد إكسابه هذا الاسم.

ومما يؤكّد هذه الحقيقة أيضا الروايات المختلفة عن دخول الأوثان إلى جزيرة العرب، التي تُجمع على أنها نُقلت بأعداد قليلة من البلدان المجاورة، ثم انتشرت بكثرة في أنحاء الجزيرة كلها، فالذي انتشر هو أسماء الأوثان المعبودة في بلدان أخرى، اقتبسها مشركو جزيرة العرب عن إخوانهم في العراق والشام وفارس والروم ومصر، بل إن من يدرس تاريخ الحضارات الجاهلية القديمة يجد أن كثيرا من أوثان اليونان والرومان والفرس والهند والصين انتشرت في الأرض بسبب هذا الأمر، إذ يأخذ كل شعب عمَّن يجاوره أسماء أوثانه بعد ذيوع صيتها، ليلقيها على ما في بلده من الحجارة والأشجار، وما يراه فيه من النجوم والكواكب، مع اختلافات بسيطة في اللفظ ترجع لاختلاف اللغات.

هذه الحقيقة في الأساس مرجعها إلى كتاب الله -عز وجل- الذي بين هذا الأمر في خطابه للمشركين: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ} [النجم: 19-23]، كما جاء هذا البيان للمشركين على لسان نبي الله هود -عليه السلام- لقومه لما استنكروا عليه أمره لهم بعبادة الله وحدة وترك ما يعبدون من الأوثان: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} [الأعراف: 71]، وكرّر يوسف -عليه السلام- المعنى ذاته في دعوته لمن معه في السجن إلى عبادة الله وحده فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 39-40].

ولا زلنا نرى اليوم هذه الصورة من الوثنية البدائية لدى الوثنيين في كثير من أصقاع العالم، فها هم الوثنيون المشركون في الصين والهند ما زالوا يصنعون التماثيل بأيديهم ثم يطلقون عليها أسماء بوذا وأشباهه من الطواغيت، وهم في عقولهم القاصرة وأفهامهم الفاسدة يعتقدون أنه بمجرد أن تنحت حجرا بصورة معينة وتطلق عليه اسما معينا فإن روح الطاغوت ستحل في هذا الحجر ويصبح بذلك سامعا لدعائهم، بصيرا بسجودهم له، فرحا باجتماعهم حوله في معبده، ولو نظرنا في حقيقة الأمر فهؤلاء المشركون إنما يعبدون الأسماء التي أطلقوها على تلك الأحجار المنحوتة، التي هي أسماء طواغيتهم الذين ليس لهم وجود في عالم الواقع غير تلك الأسماء.

وفي ظل ما نشاهده في أيامنا هذه من عبودية للتنظيمات والفصائل والأحزاب، فإننا إذا دققنا في واقع تلك التجمعات من البشر نجد أن أتباعها إنما يتّبعون سبيل المشركين في تقديسهم الأسماء التي لم يأمر الله بتقديسها، بل ويعبدون تلك الأسماء بطريقة أو بأخرى، شاءوا الاعتراف بذلك أم أبوا، علموا ذلك أم لم يعلموا، ولا أدلّ على ذلك من تمسّكهم بتلك التنظيمات المنحرفة، تعصّبا لأسمائها المشهورة، واعتقادا من كثير منهم أن بقاء الإسلام مرتبط ببقاء أسماء فصائلهم وتنظيماتهم، وحرصا دائما على مبارزة الخصوم بتاريخها الذي كتبوه بأيديهم ليزيدوا من خلاله من بريق تلك الأسماء.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو «إخواني في ...

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد
قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو

«إخواني في الله، جددوا نياتكم، وأكثروا من الذكر والدعاء، وتضرعوا إلى الله والتجئوا إليه، إنها آخر ساعاتنا في هذه الدار الفانية، وبعدها ننتقل إلى دار البقاء بإذن الله، فلتكن لحظة الانغماس بالأعداء لحظة يقين بأن الجنة هي الجزاء، وأنّا مقبلون على كريم غفور يحب الذين يقاتلون في سبيله، واعلموا أنّه إنْ قدّر الله لنا البقاء فنحن أمام مزيد من الفتن والابتلاء، وإنْ قدّر لنا القتل فهو محض اصطفاء»، هذا ما قاله أمير الغزوة قبل الانطلاق، تقبله الله.

استعد الأبطال الأربعون وارتفعت هممهم، قال أحدهم، «اعلموا أن الله يرانا في هذه الساعة وينظر إلى أعمالنا، فأروا الله منا ما يحب، فهي لحظات لا تتكرر»، صوت من آخر الصفوف يرتفع، «نعاهد الله على الموت في سبيله، ونبايع خليفة المسلمين أبا بكر البغدادي على ألا نعود إلا منتصرين أو قتلى».

• لن نعود بإذن الله

قال آخر: «لن نعود أبدا بإذن الله، قالها بصوت أجش، لن أعود بإذن الله، مهما كان السبب»، أضاف آخر: «وأنا كذلك لن أعود مطلقا مهما كلف الأمر»، وصاح ثالث: «سأكون معكما فأنا مشتاق للقاء ربي»، أبكت هذه الكلمات الجميع، الإخوة الثلاثة الذين تبايعوا على الانغماس بالعدو وعدم العودة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نحسبهم كذلك، فقضوا نحبهم ولم يرجعوا.

أجواء الترقب تسود المكان، ونور الوجوه يغلب ظلمة الليل، والسكينة والاطمئنان سمة اللحظة، يصيح أحدهم بصوت مرتفع واصفا حال الانغماسي في سبيل الله:

وإني لمقتادٌ جوادي وقاذفٌ
به وبنفسي العام إحدى المقاذف
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن
على سُرر تُعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مَقيلُه
بجو السماء في نسور عواكف
فأُقتل قصعاً ثم يُرمى بأعظمي
بأرض الخلى بين الرياح العواصف
وأمسي شهيدا ثاوياً في عصابة
يصابون في فج من الأرض خائف

إنها غزوة (صايكول) الأخيرة التي رحّل فيها الأبطال المئات من ملاحدة الأكراد، وأذاقوهم بأسلحتهم الفردية طعم الخوف وألوان العذاب، والتي لن ينسى طعمها الملاحدة وأولياؤهم الصليبيون الذين فقدوا أحد خبرائهم فيها، الذي تبين لاحقا أنه يحمل الجنسية الكندية كما أكد الأعداء عبر إعلامهم.

أحد أبطال هذه الغزوة يقص علينا بعض مجريات الغزوة ويفسر لنا أهمية الأسلوب الذي اتبعه المقاتلون في اقتحامهم وهو الانغماس، ونجاعته في إرهاب العدو، وإيقاع عدد كبير من القتلى في صفوف العدو مقابل عدد قليل من المهاجمين، قائلا: «إن للانغماس عوامل نجاح وأسس يجب اتباعها كي يكون أنكى في العدو، فمن أسس الانغماس على الصعيد الشخصي، الإيمان القوي بالله، والعقيدة الراسخة، والقناعة بجدوى أسلوب الانغماس وأهميته، والشجاعة، واللياقة الجسدية العالية، وسرعة البداهة».

وأضاف أنه وعلى الصعيد العملي لا بد من المباغتة والمفاجأة، وسرعة الانقضاض على العدو، والخفة في الحركة، والتنبه لعامل الزمن، وخداع العدو، ودراسة المنطقة التي يراد الانغماس فيها ومعرفتها بشكل جيد، كذلك رصد أماكن تمركز العدو وعدد أفراده وعدد آلياته وجميع إمكانياته، ولا بد من الاستعانة بأبناء المنطقة في حال كان هذا ممكنا، ومعرفة المناصرين من الأعداء، لأنه كثيرا ما يستطيع المجاهد المنغمس الرجوع بعد تنفيذ مهمته فيحتاج لمن يعينه على طريق العودة، وإيوائه وإطعامه في حال حوصر لفترة طويلة أو كان مكان الانغماس بعيدا عن خطوط المجاهدين.

• تحييد سلاح الجو

ونوه إلى أن أسلوب الانغماس في الأعداء في ظل الحرب الشرسة التي تخاض ضد الدولة الإسلامية وجنودها هو من أنجع الأساليب التي تكبد العدو الكثير من الخسائر البشرية والمادية، إضافة إلى أن الانغماس يفوت على الأعداء فرصة استخدام سلاح الجو بشكل كامل، ناصحاً بأن يبدأ الانغماس في الأعداء أول الليل كي يتسنى للإخوة المنغمسين العمل طيلته، إذ يصعب على الأعداء رؤيتهم أو معرفة عددهم أو اتجاههم، الأمر الذي يسهل على الإخوة الانغماس وتحقيق الهدف من ورائه، مشيرا إلى أن الانغماس في النهار يفقد الإخوة الكثير من عوامل النجاح ويكون الوقت أمامهم قصيرا جدا للتحرك والمناورة، وقد يوقف عملهم قناص واحد، أما في الليل فلا يستطيع أحد تحديد أماكنهم وأعدادهم، بإذن الله.

وقال إن العديد من المجاهدين الآن -ولله الحمد- يحبون الانغماس لما يرون من فوائده الكثيرة ونجاعته في إيقاع القتل في الأعداء وتشتيتهم والتنكيل بهم.

• السيطرة على 6 قرى وقطع «طريق السد»

وعن الغزوة قال: «ابتدأنا المسير باتجاه القرى المستهدفة في العاشرة والنصف مساء ليلة التاسع والعشرين من رمضان، حيث انقسمنا إلى مجموعتين، في كل مجموعة 20 أخا، كان هدف المجموعة التي كنت فيها التسلل وراء خطوط العدو والوصول إلى عمق أراضيهم والسيطرة على كل من قرى بير شمالي، وبير بكار، وجيوف، وقريدان، وبير دم، بطريقة الانغماس في الصفوف الخلفية للعدو، والحمد لله تم لنا ذلك خلال الساعات الثلاث الأولى من الاقتحام، وكانت مهمة المجموعة الثانية ضرب خط العدو الأول والسيطرة على قريتي القادرية وكردشان، والتقاء المجموعتين بعد تحقيق كل منهما هدفه.

وأوضح أنه وبعد السيطرة على القرى لم يتمكن الإخوة الاقتحاميون في المجموعة الثانية من ضرب الخط الأول للعدو لأسباب عسكرية عديدة، فما كان منا نحن مجموعة الانغماسيين إلا الانتشار في القرى التي يسيطر عليها الملحدون والتفرق بهدف إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف العدو، وكان بيننا ثلاثة إخوة رفضوا الانحياز وتعاهدوا على المضي قدما إلى أعمق نقاط العدو والإثخان فيهم وعدم الرجعة إلى أن يقتلوا بحول الله، وهو ما تم لهم نحسبهم والله حسيبهم، وهم الذين مكنهم الله من قطع «طريق السد» وخط الإمداد الذي يصل جبهة الملحدين الشرقية بالغربية لساعات طويلة.

• نفذ بحزامه الناسف ولم يُقتل

وأضاف أنه وبعد تفرقهم توجه وحيدا إلى قرية بير دم، ظنا منه أن بها مجموعة من الإخوة وبعد دخوله القرية جاء رتل مؤلف من عشر سيارات للملحدين، فدخل الأخ أحد البيوت ولم يعرفوا بأي بيت دخل، وبدأ الملحدون بتمشيط القرية بيتا بيتا، وعندما اقتربوا من البيت الذي كان فيه فتح رشاشه عليهم ليقتل ويصيب عددا جيدا منهم، وكان الوقت قريبا من الظهر واستمر اشتباكه معهم إلى ما قبل المغرب اشتباكات متقطعة، وبدأت ذخيرته تقل شيئا فشيئا وتقترب من النفاد. وذكر أن آخر تلك الاشتباكات كانت مع مجموعة اقتربت من البيت الذي كان فيه ظنا منها أنه قد قُتل، وكان عددهم ستة وبعد اقترابهم من مكان تواجده وبسبب نفاد ذخيرته عزم الأخ على تفجير حزامه الناسف في الجنود المتقدمين باتجاهه، وبعد اقترابهم منه ودخولهم حيز التشظي استعد للتنفيذ بالحزام فخرج بوجههم مكبرا -الله أكبر- وسحب الصاعق بقوة، ليتفاجأ بأن الصاعق خرج بيده وأن الحزام لم ينفجر، بينما كان حال المرتدين الفزع والخوف والتخبط عند سماعهم التكبير، وهربوا من أمامه، فما كان من الأخ إلا أن تناول بندقيته وأردى ثلاثة منهم قتلى بينما تمكن الثلاثة الآخرون من الفرار لنفاد ذخيرته.

• قتل 24 منهم وأخرجه الله سالماً

وقال أنه وفور قتل الثلاثة تناول حقيبة صغيرة فيها الكثير من الذخيرة كانت بيد أحد القتلى، وتحول إلى بيت آخر، بينما ظن الملحدون أنه ما زال في ذلك البيت وانهالوا عليه رميا بقذائف الـ RPG وبالـ PKS وغيرهما من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وعند حلول الظلام ظن الملحدون أن الأخ قد قُتل، فبدأ بالتسلل بين أظهرهم في تمام العاشرة ليلا وهو يردد قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}، فتمكن من الخروج من بينهم بتوفيق من الله ورعاية، ومشى مسافة 2 كيلو متر فوجد بيتا في قرية صغيرة وكان يعرف أهل البيت منذ كان من سكان المنطقة، فآووه في إحدى الغرف وقدموا له الطعام والماء، وفي اليوم الثاني أخرجوه من القرية خفية وتابع سيره مسافة 7 كيلو متر تقريبا ولم يكن معه زاد من طعام أو ماء، فاضطر لدخول بيت آخر، لم يكن يعرف أهله هذه المرة فقدموا له كذلك الماء وأرشدوه إلى الطريق إلى أن وصل إلى نقاط رباط الإخوة.

وأكد أنه وأثناء خروجه من القرية التي كان محاصرا بها شاهد مجموعتين من قتلى الملحدين كانوا قد جمعوا بهما قتلاهم، في الأولى 13 قتيلا وفي الثانية 11 قتيلا.

• مقتل صليبي كندي ومسؤول كبير من ملاحدة الأكراد

من جهته قال أحد الإخوة الانغماسيين الذين شاركوا في الغزوة كذلك، أنه وفي بداية اقتحامهم لإحدى القرى كان الهدف الوصول لبيت مرتد شكّل كتيبة لقتال المجاهدين، وعند اقترابهم من مشارف القرية تفاجؤوا بسيارتين قادمتين باتجاههم من طرف السد تقل عددا من الملاحدة فكمنوا لهم، وعندما باتت السيارتان تحت نيرانهم اشتبكوا مع من فيها على مسافة قريبة وقتلوا أربعة جنود منهم، وتفاجؤوا أن من بين القتلى مقاتلين أجانب ومسؤولين من ملاحدة الأكراد كانت معهم أجهزة إلكترونية لتوجيه الطيران وتحديد المواقع، وأن الهلكى الأربعة يحملون أجهزة اتصال وأسلحة ويرتدون ملابس عسكرية، ليعلم فيما بعد من إعلام الملحدين أن من بين القتلى خبير عسكري يحمل الجنسية الكندية، ومسؤول كبير في قواتهم المرتدة.

كانت هذه بعض أحداث غزوة من غزوات جنود الخلافة التي تتكرر في كل ولاياتها، والتي يكتبها الانغماسيون بدمائهم وأشلائهم، فيرحلون بعد كتابتها إلى جنات الخلود بإذن الله، ويتركون وراءهم فرحة في قلوب الموحدين، وغصة ولوعة في قلوب المشركين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو [3/3] • نفذ ...

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد
قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو
[3/3]

• نفذ بحزامه الناسف ولم يُقتل

وأضاف أنه وبعد تفرقهم توجه وحيدا إلى قرية بير دم، ظنا منه أن بها مجموعة من الإخوة وبعد دخوله القرية جاء رتل مؤلف من عشر سيارات للملحدين، فدخل الأخ أحد البيوت ولم يعرفوا بأي بيت دخل، وبدأ الملحدون بتمشيط القرية بيتا بيتا، وعندما اقتربوا من البيت الذي كان فيه فتح رشاشه عليهم ليقتل ويصيب عددا جيدا منهم، وكان الوقت قريبا من الظهر واستمر اشتباكه معهم إلى ما قبل المغرب اشتباكات متقطعة، وبدأت ذخيرته تقل شيئا فشيئا وتقترب من النفاد. وذكر أن آخر تلك الاشتباكات كانت مع مجموعة اقتربت من البيت الذي كان فيه ظنا منها أنه قد قُتل، وكان عددهم ستة وبعد اقترابهم من مكان تواجده وبسبب نفاد ذخيرته عزم الأخ على تفجير حزامه الناسف في الجنود المتقدمين باتجاهه، وبعد اقترابهم منه ودخولهم حيز التشظي استعد للتنفيذ بالحزام فخرج بوجههم مكبرا -الله أكبر- وسحب الصاعق بقوة، ليتفاجأ بأن الصاعق خرج بيده وأن الحزام لم ينفجر، بينما كان حال المرتدين الفزع والخوف والتخبط عند سماعهم التكبير، وهربوا من أمامه، فما كان من الأخ إلا أن تناول بندقيته وأردى ثلاثة منهم قتلى بينما تمكن الثلاثة الآخرون من الفرار لنفاد ذخيرته.

• قتل 24 منهم وأخرجه الله سالماً

وقال أنه وفور قتل الثلاثة تناول حقيبة صغيرة فيها الكثير من الذخيرة كانت بيد أحد القتلى، وتحول إلى بيت آخر، بينما ظن الملحدون أنه ما زال في ذلك البيت وانهالوا عليه رميا بقذائف الـ RPG وبالـ PKS وغيرهما من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وعند حلول الظلام ظن الملحدون أن الأخ قد قُتل، فبدأ بالتسلل بين أظهرهم في تمام العاشرة ليلا وهو يردد قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}، فتمكن من الخروج من بينهم بتوفيق من الله ورعاية، ومشى مسافة 2 كيلو متر فوجد بيتا في قرية صغيرة وكان يعرف أهل البيت منذ كان من سكان المنطقة، فآووه في إحدى الغرف وقدموا له الطعام والماء، وفي اليوم الثاني أخرجوه من القرية خفية وتابع سيره مسافة 7 كيلو متر تقريبا ولم يكن معه زاد من طعام أو ماء، فاضطر لدخول بيت آخر، لم يكن يعرف أهله هذه المرة فقدموا له كذلك الماء وأرشدوه إلى الطريق إلى أن وصل إلى نقاط رباط الإخوة.

وأكد أنه وأثناء خروجه من القرية التي كان محاصرا بها شاهد مجموعتين من قتلى الملحدين كانوا قد جمعوا بهما قتلاهم، في الأولى 13 قتيلا وفي الثانية 11 قتيلا.

• مقتل صليبي كندي ومسؤول كبير من ملاحدة الأكراد

من جهته قال أحد الإخوة الانغماسيين الذين شاركوا في الغزوة كذلك، أنه وفي بداية اقتحامهم لإحدى القرى كان الهدف الوصول لبيت مرتد شكّل كتيبة لقتال المجاهدين، وعند اقترابهم من مشارف القرية تفاجؤوا بسيارتين قادمتين باتجاههم من طرف السد تقل عددا من الملاحدة فكمنوا لهم، وعندما باتت السيارتان تحت نيرانهم اشتبكوا مع من فيها على مسافة قريبة وقتلوا أربعة جنود منهم، وتفاجؤوا أن من بين القتلى مقاتلين أجانب ومسؤولين من ملاحدة الأكراد كانت معهم أجهزة إلكترونية لتوجيه الطيران وتحديد المواقع، وأن الهلكى الأربعة يحملون أجهزة اتصال وأسلحة ويرتدون ملابس عسكرية، ليعلم فيما بعد من إعلام الملحدين أن من بين القتلى خبير عسكري يحمل الجنسية الكندية، ومسؤول كبير في قواتهم المرتدة.

كانت هذه بعض أحداث غزوة من غزوات جنود الخلافة التي تتكرر في كل ولاياتها، والتي يكتبها الانغماسيون بدمائهم وأشلائهم، فيرحلون بعد كتابتها إلى جنات الخلود بإذن الله، ويتركون وراءهم فرحة في قلوب الموحدين، وغصة ولوعة في قلوب المشركين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو [2/3] إنها ...

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد
قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو
[2/3]

إنها غزوة (صايكول) الأخيرة التي رحّل فيها الأبطال المئات من ملاحدة الأكراد، وأذاقوهم بأسلحتهم الفردية طعم الخوف وألوان العذاب، والتي لن ينسى طعمها الملاحدة وأولياؤهم الصليبيون الذين فقدوا أحد خبرائهم فيها، الذي تبين لاحقا أنه يحمل الجنسية الكندية كما أكد الأعداء عبر إعلامهم.

أحد أبطال هذه الغزوة يقص علينا بعض مجريات الغزوة ويفسر لنا أهمية الأسلوب الذي اتبعه المقاتلون في اقتحامهم وهو الانغماس، ونجاعته في إرهاب العدو، وإيقاع عدد كبير من القتلى في صفوف العدو مقابل عدد قليل من المهاجمين، قائلا: «إن للانغماس عوامل نجاح وأسس يجب اتباعها كي يكون أنكى في العدو، فمن أسس الانغماس على الصعيد الشخصي، الإيمان القوي بالله، والعقيدة الراسخة، والقناعة بجدوى أسلوب الانغماس وأهميته، والشجاعة، واللياقة الجسدية العالية، وسرعة البداهة».

وأضاف أنه وعلى الصعيد العملي لا بد من المباغتة والمفاجأة، وسرعة الانقضاض على العدو، والخفة في الحركة، والتنبه لعامل الزمن، وخداع العدو، ودراسة المنطقة التي يراد الانغماس فيها ومعرفتها بشكل جيد، كذلك رصد أماكن تمركز العدو وعدد أفراده وعدد آلياته وجميع إمكانياته، ولا بد من الاستعانة بأبناء المنطقة في حال كان هذا ممكنا، ومعرفة المناصرين من الأعداء، لأنه كثيرا ما يستطيع المجاهد المنغمس الرجوع بعد تنفيذ مهمته فيحتاج لمن يعينه على طريق العودة، وإيوائه وإطعامه في حال حوصر لفترة طويلة أو كان مكان الانغماس بعيدا عن خطوط المجاهدين.

• تحييد سلاح الجو

ونوه إلى أن أسلوب الانغماس في الأعداء في ظل الحرب الشرسة التي تخاض ضد الدولة الإسلامية وجنودها هو من أنجع الأساليب التي تكبد العدو الكثير من الخسائر البشرية والمادية، إضافة إلى أن الانغماس يفوت على الأعداء فرصة استخدام سلاح الجو بشكل كامل، ناصحاً بأن يبدأ الانغماس في الأعداء أول الليل كي يتسنى للإخوة المنغمسين العمل طيلته، إذ يصعب على الأعداء رؤيتهم أو معرفة عددهم أو اتجاههم، الأمر الذي يسهل على الإخوة الانغماس وتحقيق الهدف من ورائه، مشيرا إلى أن الانغماس في النهار يفقد الإخوة الكثير من عوامل النجاح ويكون الوقت أمامهم قصيرا جدا للتحرك والمناورة، وقد يوقف عملهم قناص واحد، أما في الليل فلا يستطيع أحد تحديد أماكنهم وأعدادهم، بإذن الله.

وقال إن العديد من المجاهدين الآن -ولله الحمد- يحبون الانغماس لما يرون من فوائده الكثيرة ونجاعته في إيقاع القتل في الأعداء وتشتيتهم والتنكيل بهم.

• السيطرة على 6 قرى وقطع «طريق السد»

وعن الغزوة قال: «ابتدأنا المسير باتجاه القرى المستهدفة في العاشرة والنصف مساء ليلة التاسع والعشرين من رمضان، حيث انقسمنا إلى مجموعتين، في كل مجموعة 20 أخا، كان هدف المجموعة التي كنت فيها التسلل وراء خطوط العدو والوصول إلى عمق أراضيهم والسيطرة على كل من قرى بير شمالي، وبير بكار، وجيوف، وقريدان، وبير دم، بطريقة الانغماس في الصفوف الخلفية للعدو، والحمد لله تم لنا ذلك خلال الساعات الثلاث الأولى من الاقتحام، وكانت مهمة المجموعة الثانية ضرب خط العدو الأول والسيطرة على قريتي القادرية وكردشان، والتقاء المجموعتين بعد تحقيق كل منهما هدفه.

وأوضح أنه وبعد السيطرة على القرى لم يتمكن الإخوة الاقتحاميون في المجموعة الثانية من ضرب الخط الأول للعدو لأسباب عسكرية عديدة، فما كان منا نحن مجموعة الانغماسيين إلا الانتشار في القرى التي يسيطر عليها الملحدون والتفرق بهدف إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف العدو، وكان بيننا ثلاثة إخوة رفضوا الانحياز وتعاهدوا على المضي قدما إلى أعمق نقاط العدو والإثخان فيهم وعدم الرجعة إلى أن يقتلوا بحول الله، وهو ما تم لهم نحسبهم والله حسيبهم، وهم الذين مكنهم الله من قطع «طريق السد» وخط الإمداد الذي يصل جبهة الملحدين الشرقية بالغربية لساعات طويلة.

* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو [1/3] «إخواني ...

غزوة (صايكول) على ملاحدة الأكراد
قصة 40 انغماسياً من جيش الخلافة خلف خطوط العدو
[1/3]

«إخواني في الله، جددوا نياتكم، وأكثروا من الذكر والدعاء، وتضرعوا إلى الله والتجئوا إليه، إنها آخر ساعاتنا في هذه الدار الفانية، وبعدها ننتقل إلى دار البقاء بإذن الله، فلتكن لحظة الانغماس بالأعداء لحظة يقين بأن الجنة هي الجزاء، وأنّا مقبلون على كريم غفور يحب الذين يقاتلون في سبيله، واعلموا أنّه إنْ قدّر الله لنا البقاء فنحن أمام مزيد من الفتن والابتلاء، وإنْ قدّر لنا القتل فهو محض اصطفاء»، هذا ما قاله أمير الغزوة قبل الانطلاق، تقبله الله.

استعد الأبطال الأربعون وارتفعت هممهم، قال أحدهم، «اعلموا أن الله يرانا في هذه الساعة وينظر إلى أعمالنا، فأروا الله منا ما يحب، فهي لحظات لا تتكرر»، صوت من آخر الصفوف يرتفع، «نعاهد الله على الموت في سبيله، ونبايع خليفة المسلمين أبا بكر البغدادي على ألا نعود إلا منتصرين أو قتلى».

• لن نعود بإذن الله

قال آخر: «لن نعود أبدا بإذن الله، قالها بصوت أجش، لن أعود بإذن الله، مهما كان السبب»، أضاف آخر: «وأنا كذلك لن أعود مطلقا مهما كلف الأمر»، وصاح ثالث: «سأكون معكما فأنا مشتاق للقاء ربي»، أبكت هذه الكلمات الجميع، الإخوة الثلاثة الذين تبايعوا على الانغماس بالعدو وعدم العودة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نحسبهم كذلك، فقضوا نحبهم ولم يرجعوا.

أجواء الترقب تسود المكان، ونور الوجوه يغلب ظلمة الليل، والسكينة والاطمئنان سمة اللحظة، يصيح أحدهم بصوت مرتفع واصفا حال الانغماسي في سبيل الله:

وإني لمقتادٌ جوادي وقاذفٌ
به وبنفسي العام إحدى المقاذف
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن
على سُرر تُعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مَقيلُه
بجو السماء في نسور عواكف
فأُقتل قصعاً ثم يُرمى بأعظمي
بأرض الخلى بين الرياح العواصف
وأمسي شهيدا ثاوياً في عصابة
يصابون في فج من الأرض خائف

إنها غزوة (صايكول) الأخيرة التي رحّل فيها الأبطال المئات من ملاحدة الأكراد، وأذاقوهم بأسلحتهم الفردية طعم الخوف وألوان العذاب، والتي لن ينسى طعمها الملاحدة وأولياؤهم الصليبيون الذين فقدوا أحد خبرائهم فيها، الذي تبين لاحقا أنه يحمل الجنسية الكندية كما أكد الأعداء عبر إعلامهم.

أحد أبطال هذه الغزوة يقص علينا بعض مجريات الغزوة ويفسر لنا أهمية الأسلوب الذي اتبعه المقاتلون في اقتحامهم وهو الانغماس، ونجاعته في إرهاب العدو، وإيقاع عدد كبير من القتلى في صفوف العدو مقابل عدد قليل من المهاجمين، قائلا: «إن للانغماس عوامل نجاح وأسس يجب اتباعها كي يكون أنكى في العدو، فمن أسس الانغماس على الصعيد الشخصي، الإيمان القوي بالله، والعقيدة الراسخة، والقناعة بجدوى أسلوب الانغماس وأهميته، والشجاعة، واللياقة الجسدية العالية، وسرعة البداهة».

وأضاف أنه وعلى الصعيد العملي لا بد من المباغتة والمفاجأة، وسرعة الانقضاض على العدو، والخفة في الحركة، والتنبه لعامل الزمن، وخداع العدو، ودراسة المنطقة التي يراد الانغماس فيها ومعرفتها بشكل جيد، كذلك رصد أماكن تمركز العدو وعدد أفراده وعدد آلياته وجميع إمكانياته، ولا بد من الاستعانة بأبناء المنطقة في حال كان هذا ممكنا، ومعرفة المناصرين من الأعداء، لأنه كثيرا ما يستطيع المجاهد المنغمس الرجوع بعد تنفيذ مهمته فيحتاج لمن يعينه على طريق العودة، وإيوائه وإطعامه في حال حوصر لفترة طويلة أو كان مكان الانغماس بعيدا عن خطوط المجاهدين.

• تحييد سلاح الجو

ونوه إلى أن أسلوب الانغماس في الأعداء في ظل الحرب الشرسة التي تخاض ضد الدولة الإسلامية وجنودها هو من أنجع الأساليب التي تكبد العدو الكثير من الخسائر البشرية والمادية، إضافة إلى أن الانغماس يفوت على الأعداء فرصة استخدام سلاح الجو بشكل كامل، ناصحاً بأن يبدأ الانغماس في الأعداء أول الليل كي يتسنى للإخوة المنغمسين العمل طيلته، إذ يصعب على الأعداء رؤيتهم أو معرفة عددهم أو اتجاههم، الأمر الذي يسهل على الإخوة الانغماس وتحقيق الهدف من ورائه، مشيرا إلى أن الانغماس في النهار يفقد الإخوة الكثير من عوامل النجاح ويكون الوقت أمامهم قصيرا جدا للتحرك والمناورة، وقد يوقف عملهم قناص واحد، أما في الليل فلا يستطيع أحد تحديد أماكنهم وأعدادهم، بإذن الله.

وقال إن العديد من المجاهدين الآن -ولله الحمد- يحبون الانغماس لما يرون من فوائده الكثيرة ونجاعته في إيقاع القتل في الأعداء وتشتيتهم والتنكيل بهم.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

عامان على آخر الحملات الصليبية الآن.. الآن.. جاء القتال يخدع المسؤولون في التحالف الصليبي ...

عامان على آخر الحملات الصليبية
الآن.. الآن.. جاء القتال


يخدع المسؤولون في التحالف الصليبي أنفسهم وشعوبهم عندما يحكمون على سير الحملة الصليبية ضد الدولة الإسلامية من خلال الخطوط والألوان الموزّعة على خرائط انتشار جنود الخلافة، أو الأرقام المنشورة في الجداول الإحصائية عن حجم ما أنفقوه من سلاح وعتاد وما قصفوه من أهداف خلال عامين من الغارات الجوية والحروب البرية الشرسة التي يخوضها جيش الخلافة ضد عدّة جيوش على الأرض.

ويكذبون على أنفسهم وشعوبهم عندما يفترضون مواعيد محدّدة لحسم المعركة ضد جيش الخلافة بناء على التقارير المضلّلة التي تقدّمها لهم أجهزة مخابراتهم عن واقع الدولة الإسلامية.

فالخرائط التي بأيديهم عن المناطق التي انحاز منها جنود الخلافة خرائط صمّاء بكماء، لا تنطق بحقيقةِ أن ما احتاج الصليبيون وحلفاؤهم المرتدون عامين لاسترداده وبذلوا في سبيل ذلك عشرات الألوف من القتلى والجرحى، وعشرات المليارات من الدولارات، إنما فتحها الله على الدولة الإسلامية خلال شهرين فقط من الزمان، كما أنها لا تنطق بحقيقةِ أن ما انحاز عنه جنود الخلافة من المناطق يبقى بالنسبة إليهم مناطق هشة يسهل عليهم -بإذن الله- استعادتها خلال أيام قليلة فقط.

والجداول الإحصائية التي يقدّمونها عن حجم ما قصفوه ودمّروه من المناطق، وعما يقدّرونه من الخسائر في الدولة الإسلامية تكتم حقيقة الخسائر التي يتكبّدها حلفاء الصليبيين على الأرض، التي أوصلتهم -بفضل الله- إلى حافة الانهيار التام.

والتقارير الاستخباراتية التي يعتمدون عليها في تقدير ما يحتاجونه من وقت لحسم المعركة، سبق لها أن خدعتهم من قبل مرارا، ولا زالت تخدعهم كل يوم، ولا أدلّ على ذلك من خروجهم بعد كل فتح يمنّ الله به على الدولة الإسلامية ليلقوا باللائمة على أجهزة مخابراتهم التي لم تستطع تقدير قوّة الدولة الإسلامية، وقدّمت لهم تقارير مضلّلة بنوا عليها حساباتهم الخاطئة، ولا زلنا نذكر إلى اليوم الصدمة التي أظهروها بعد فشل مشروع صحوات الشام، ونجاة جنود الخلافة من كمين الغدر الذي نُصب لهم في حلب وإدلب وغيرهما، والصدمة الأكبر بعد فتح الموصل وإعلان الخلافة وانهيار الجيش الرافضي وقوات البيشمركة المرتدين، ثم صدمتهم بالبيعات التي توالت من المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، ثم كانت الفاجعة بالعمليات الأمنية الناجحة في عقر دارهم في مدن أمريكا وأوروبا، التي باتت تشكل قصة رعب واستنفار يومية لشعوبهم وأجهزة أمنهم.

إن كل ما حققه الصليبيون وعملاؤهم المرتدون خلال العامين الماضيين وما تحمّلوا في سبيله التكاليف الباهظة في الأرواح والأموال يثبت يقينا أن هدفهم في تلك المرحلة لم يكن يتعدّى وقف تمدد الدولة الإسلامية، ومنع سقوط بغداد ودمشق وأربيل والقامشلي في يد جنود الخلافة، بخلاف مزاعمهم التي خدعوا بها أتباعهم عن إنهاء وجود الدولة الإسلامية، لذلك ركّزوا كل جهودهم على استنقاذ الفلوجة والرمادي وبيجي وتدمر، وتحصين سامراء وكركوك وحزام بغداد وسهل نينوى، والسيطرة على ريف حلب الشمالي، وقد خيبهم الله، ففي كل يوم تعلو صيحاتهم في مشارق الأرض ومغاربها لتعبّر عن مخاوفهم من فتح جبهات جديدة عليهم تنسيهم أهوال العراق والشام.

إن أعداء الدولة الإسلامية اليوم بكل أممهم وأطيافهم إنما يتطلعون إلى اليوم الذي ينهون فيه معاركهم معها، ويريحون أبدانهم ونفوسهم من مرارة هزائمهم على أيدي جنودها، لذلك يكثرون من التقديرات التي يؤملون فيها أتباعهم بقرب انتهاء الحرب ووقف استنزاف أرواحهم وأموالهم فيها.

أما جنود الخلافة فقد أكرمهم الله بعقيدة صحيحة ومنهج نبوي قويم يمنعهم من الاستسلام لعدوهم أو الاكتفاء بما في أيديهم والركون إليه، إذ إن قتالهم ليس لطلب مغنم، إنما هو جهاد لإزالة الشرك من الأرض، وإخضاع الناس كلهم لرب العالمين، ومن كانت عقيدته هكذا فلا يمكن أن يلقي السلاح من يده سواء كان منتصرا، أو منكسرا، فإن فتح الله عليه في أرض وأقام فيها حكم الله، تذكر أن ما يحكمه المشركون بشريعة الطاغوت أكثر، وأنه لا يحلّ له القعود حتى يسعى لاستنقاذه من أيديهم، وإن انكسر تذكر أنه لم يكلَّف إلا بعبادة الله بقتال أعدائه ما استطاع، حتى يأتيه الموت أو يكتب الله له الشهادة، وفي الحالتين ما له من شعار سوى قوله عليه الصلاة والسلام: (الآن، الآن، جاء القتال).

فليشحذ المجاهدون سيوفهم، وليذخّروا أسلحتهم، وليجدّدوا النية على القتال في سبيل الله، ولتكن أعينهم على مكة والمدينة وبيت المقدس، وما دونها سيكون أسهل عليهم -بإذن الله- من فتح الموصل والرقة وسرت، والله على كل شيء قدير.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ
...المزيد

الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ينظر كثير من المسلمين إلى النصر والهزيمة على ...

الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح


ينظر كثير من المسلمين إلى النصر والهزيمة على أنَّهما معياران لصحة المنهج أو بطلانه ولا ينظران إليهما في السياق العام للمعركة بين الحق والباطل، التي يُمحِّص الله فيها أهل الإيمان ثم تكون العاقبة لهم بإذن الله، ويتناسون أنَّ الثبات على المبدأ وصلابة العزم على مواصلة قتال أعداء الله هما من معايير النصر الحقيقية إن توفرت في الجماعة المؤمنة، وهذه غزوة أحد وما بعدها خير شاهد، فحين كثر القتل والجراحات في صفوف المسلمين وأعلنت قريش بعد ذلك انتصارها وأشاعت أنها ستغزو المسلمين من جديد حتى تبيدَ خضراءهم، لم توهن هذه الإشاعات صلابة عزيمتهم ونهض المسلمون من جراحهم عازمين على إعادة الكرّة مع قريش، فلم تكن الابتلاءات دليلا على بطلان المنهج بل كانت صقلا وتمحيصا، وكان موقفهم من حشد قريش الجديد هو النصر بحد ذاته.

فبعد أن عصى الرماة في الجبل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلوا منه رغبة في جمع الغنائم تاركين ثغرةً تَسلَّل منها المشركون فأمعنوا في جيش المسلمين قتلا وإصابة حتى قُتل من الصحابة -رضي الله عنهم- سبعون، من بينهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، وبينما يلملم المسلمون جراحهم جاءتهم الأخبار أنَّ قريشاً تحشد من جديد مستغلة ما حققته يوم أحد.

ذكر ابن كثير في السيرة أنه «قدم رجل من أهل مكة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن أبي سفيان وأصحابه فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون ويقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا أصبتم شوكة القوم وحدهم ثم تركتموهم ولم تبتروهم فقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبهم أشد القرح بطلب العدو ليسمعوا بذلك وقال: (لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال)، فقال عبد الله بن أُبي: أنا راكب معك! فقال: (لا)، فاستجابوا لله ولرسوله على الذي بهم من البلاء فانطلقوا، فقال الله في كتابه: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، قال: وطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العدو حتى بلغ حمراء الأسد».

«وقال محمد بن إسحاق في مغازيه: وكان يومُ أُحُد يومَ السبت النصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذَّن مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه: ألا يخرجن أحد إلا من حضر يومنا بالأمس... قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهى من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء...»، وكانت قريش بالروحاء، «فمرَّ بهم ركب من عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة. قال: ولم؟ قالوا نريد الميرة. قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيباً بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل» [السيرة لابن كثير].

وقد كان قول المشركين هذا من باب الحرب الإعلامية ليوهنوا جيش المسلمين، إذ أنَّ قريشاً لما بلغها خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد عزمت على الرجوع إلى مكة، ولكن هذه الحرب الإعلامية لم تنفع مع المسلمين بل قالوا: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وقد سجلت آيات القرآن هذا الموقف العظيم، قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ [آل عمران: 172-175] ثم عاد المسلمون إلى المدينة بعد ذلك.

وقد حاول المنافقون واليهود كما هو حالهم في كل زمان ومكان أن يستغلوا هذا الموقف فقالت اليهود: «لو كان نبيا ما ظهروا عليه ولا أصيب منه ما أصيب، ولكنه طالب مُلك تكون له الدولة وعليه»، وقال المنافقون مثل قولهم، وقالوا للمسلمين: «لو كنتم أطعتمونا ما أصابكم الذين أصابوا منكم»، فأنزل الله القرآن في طاعة من أطاع ونفاق من نافق وتعزية للمسلمين -يعني فيمن قُتل منهم- فقال: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121].

فقد حكم اليهود على صحة منهج ودعوة بناءً على نتيجة معركة، كما هو حال أهل النفاق اليوم، الذين يغمزون ويلمزون إن انحاز مجاهدو الخلافة من مكان، بينما يخنسون إن حقق المجاهدون نصراً على أعدائهم في أكثر من مكان، متناسين أنَّ النصر هو بالثبات على المبدأ والعزم القوي على جهاد الأعداء وقبل ذلك التوحيد والقرآن الذي في صدور المجاهدين، الذين لا ينهزمون إلا إن انتُزع منهم، كما صرَّح بذلك الشيخ العدناني حفظه الله، وإن كان معيار الهزيمة كثرة القتل والجراح فلنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة يوم أحد ثم بئر معونة على رأس أربعة أشهر من أحد وقُتل فيها غدرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- القراء سبعون قارئا، رضي الله عنهم وتقبلهم، ثم سرية عاصم بن ثابت -رضي الله عنه- التي أفنيت عن آخرها وكانوا عشرة رجال من خيرة أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ووقع بعضهم أسيراً بيد قريش ثم قُتلوا.

وإن كان المعيار هو أخذ الأرض ومحاصرة المسلمين في معاقلهم فقد حوصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في معقله بالمدينة ولم يكن للمسلمين يومئذ دار غيرها، وواجه المسلمون هذا التحالف العربي اليهودي من قريش وغطفان واليهود في أكثر من عشرة آلاف مقاتل، واجهوه بعزم وثبات كان لهم نصراً حققوه قبل بداية المعركة يوم الأحزاب في شوال سنة خمس من الهجرة.

قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، وفي ظل هذه الشدة وهذا التمحيص نجم النفاق مرة أخرى، وأظهر المنافقون ما كانوا يسرون في قلوبهم.
قال ابن كثير في السيرة: «ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!».
وهنا أيضا ترى النظرة القاصرة للحدث إذ رأوا بعين غفلتهم أنَّ الأمور قد حُسمت والدائرة للمشركين، فماذا بعد أن يُحاصر معقل المسلمين في المدينة بأكثر من عشرة آلاف مقاتل؟ ومن ذا الذي يقدر على هزيمتهم؟ وهو ذات الحكم الذي استنبطوه يوم أحد، متناسين مرة أخرى أو متجاهلين وعد الله بأن العاقبة للمتقين، وفعلا كانت هذه الحملة آخر حملات قريش، وبعدها بثلاث سنين كان فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، فهذه هي حسابات النصر وهذه هي معاييره كما في سيرة خير البشر، صلى الله عليه وسلم، وجنود الخلافة اليوم يسيرون على المنهاج ذاته والعاقبة والنصر لهم -بإذن الله تعالى- مهما كثرت الجراح، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 41
الثلاثاء 28 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
...المزيد

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله) أنعم الله على ...

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله)

أنعم الله على العراق قبل الغزو الأمريكي بأشتات من الموحّدين حملوا على عاتقهم همّ نشر التوحيد ومحاربة الشرك والبدعة رغم طغيان البعث العلماني الكافر وحربه على الإسلام والمسلمين، فلما نزل الصليبيون على أرض العراق كانوا السدّ المنيع في وجههم، فأفشلوا بفضل الله مخططاتهم، وأخرجوهم منه أذلاء مدحورين، وأقاموا دولة الإسلام على أرض الرافدين، وثبتوا على ذلك، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من أبقاه الله حتى أنعم عليه برؤية اليوم الذي يكون فيه الدين كله لله، في دولة إسلامية تولّى أمرها خليفةٌ قرشيٌّ يسوس الناس على منهاج النبوة.

وكان من أولئك الدعاة الذين ساروا على منهج الأنبياء في تعلم التوحيد، وتعليمه للناس، وجهاد أعداء الله بالسيف والسنان والحجة والبرهان، والصبر على ما أصابهم في هذه الطريق من ابتلاءات، حتى قُتلوا شهداء في سبيل الله، الشيخ المجاهد أبو علي الأنباري تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

ففي الوقت الذي كان طاغوت البعث الهالك صدام حسين وحزبه المرتد يهيمنون على العراق بحكمهم الفرعوني الغاشم، الذي لم يتوقف عند حد استبدال القوانين الوضعية بحكم الله، بل سعى إلى تغيير عقائد المسلمين بإفساح المجال لمشركي الصوفية والرافضة، ونشر المذاهب العلمانية الماديّة، وفتح الباب مشرعا أمام الرافضة والصوفية لنشر أديانهم الباطلة، وفي الوقت الذي كان فيه الناس تحت سطوة هذا الطاغوت المجرم، كان الشيخ عبد الرحمن القادولي (وهو اسمه الحقيقي) يصدع بالتوحيد في أحد مساجد مدينة تلعفر الواقعة غرب مدينة الموصل، وكان الناس يحتشدون في مسجده يوم الجمعة حتى تمتلئ الشوارع المحيطة به، فناله من أذى الطاغوت وأجهزة مخابراته ما ناله.

لم ترهبه تهديدات البعثيين، ولم يصدّه عن جهادهم أن كان وحيد أبويه، ولا كونه معيلا لأسرة كبيرة ليس لها من معيل سواه، ولا خوف على مسجد يدعو إلى الله بين جنباته، فكفر بالبعث وكفّر المنتسبين إليه، وحرض خاصته وإخوانه على تكفيرهم وقتالهم.

لم يدم صبر مرتدي البعث طويلا عليه، فلم يلبثوا أن منعوه من الخطابة، بل وحتى من الأذان في المساجد، وصاروا يضيقون عليه، إلى درجة أنه لا يمر عليه شهر إلا ويُستدعى من قبل مخابرات الطاغوت.

في ذلك الوقت كان نظام البعث في العراق يزداد ضعفا، بعد سلسلة الحروب الفاشلة التي خاضها مع أعدائه، وكان الموحّدون يترقبون انهياره، ويتوقعون في الوقت نفسه أن تقدم أمريكا الصليبية على غزو العراق لاحتلاله بحجة إسقاط نظام الطاغوت، ولكن لم يكن لديهم القدرة على تشكيل جسم قوي ينازل الطاغوت في معارك فاصلة، فكان الحال أن تجتمع كل مجموعة بعناصرها في منطقة من المناطق ليتعارف أفرادها، ويتآلفوا، ويتدارسوا الدين بعيدا عن أعين البعثيين، فتشكلت بذلك عدة مجموعات غير مترابطة ببعضها في كلٍّ من بغداد وحزامها، والأنبار وباديتها، وديالى وكركوك، والموصل، وتلعفر التي كان الشيخ أبو علاء (وهي كنيته الحقيقية) كبير إخوانه فيها، وشيخهم، ومرجعهم في الفتوى والقرارات.

لم يقتصر نشاط الشيخ أبي علاء على مدينة تلعفر التي أقام فيها ودرس سابقا في معهدها الشرعي، بل امتد إلى مناطق أخرى من العراق، وخاصة بغداد التي درس في جامعتها من قبل، حيث نسج علاقة مع جماعة الشيخ فايز -تقبله الله- السلفية، وموحدي مدينة الموصل التي كانت حاضرةَ شمال العراق، ومجاهدي كردستان، حيث جماعة أنصار الإسلام الذين كانوا يديرون ساحة الجهاد الوحيدة في المنطقة آنذاك وإليهم نفر كثير من شباب العراق وغيرها من البلاد.

أثمرت دعوة الشيخ أبي علاء وإخوانه في تلعفر خيرا، فتاب على يديه -بفضل الله- كثير من الروافض من سكان المدينة، وكفر كثير من الناس بعقيدة البعث، وتبرأ غيرهم من العمل في خدمة الطاغوت صدام في جيشه وأجهزة أمنه، وكان من هؤلاء جميعا من ثبّته الله وصار من خيار المجاهدين فيما بعد حتى توفاهم الله شهداء في سبيله، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

وبموازاة نشاطه الدعوي لم يهمل الشيخ الجهاد في سبيل الله، فكان ينسق مع المجاهدين في جبال كردستان، كما عمل مع من يثق بهم من الموحدين في تلعفر على تشكيل جماعة مجاهدة للقيام بعمليات عسكرية ضد نظام الطاغوت صدام حسين، وحزبه الجاهلي، وجنوده وأنصاره المرتدين، وأشرف على التدريب العسكري لتلك المجموعة الشيخ أبو المعتز القرشي -تقبله الله- الذي كان حينها من الضباط التائبين الذين كفروا بالبعث وتبرؤوا من موالاة الطاغوت وجيشه المرتد، ولكن قدّر الله أن يوجَّه نشاط هذه الجماعة المجاهدة إلى عدو أكبر، وهم الصليبيون الذين غزوا أرض العراق بقيادة أمريكا.

كان للغزو الصليبي للعراق نتائج عديدة، منها انهيار النظام البعثي، وجيشه، وجميع أجهزة الدولة الأمنية، وانتشار الفوضى في البلاد، وكثرة السلاح في أيدي الناس، والضربة القاصمة التي أصابت جماعة أنصار الإسلام في كردستان فقُتل الكثير من مجاهديها بصواريخ الكروز الأمريكية، ودخول عدد من المجاهدين المهاجرين إلى العراق مستغلين حالة الفوضى، ومن بينهم الشيخ أبو مصعب الزرقاوي، تقبله الله، وكذلك إظهار الإخوان المرتدين في العراق لعقيدتهم الشركية ومنهجهم الكفري، ودخولهم في صف الصليبيين والروافض.
وبعد فترة قصيرة من سقوط بغداد بأيدي الصليبيين، تشكل في العراق عدد كبير من الفصائل المقاتلة، ذات غايات ومذاهب شتى، ومن بين تلك الجماعات (جماعة التوحيد والجهاد) التي تشكلت من مجموعات المهاجرين والأنصار وقادها الشيخ أبو مصعب الزرقاوي، و(أنصار السنة) الذي كان تشكل من بقايا (أنصار الإسلام) بعد انحيازهم إلى مدن العراق ومن مجموعات الموحّدين المنتشرة في مناطق العراق المختلفة، وأسندت قيادته لقادة (أنصار الإسلام) الذين نزلوا إلى مدن العراق بعد أن فقدوا ملاذاتهم القديمة في جبال كردستان، وكانت مجموعة تلعفر السلفية من المجموعات التي انضمت إلى (أنصار السنة)، وذلك بعد فترة قصيرة من انطلاق عملها العسكري باسم (كتائب محمد رسول الله)، عليه الصلاة والسلام، ولم تمض فترة طويلة حتى اختير الشيخ أبو إيمان (وهي كنية الشيخ الأنباري التي اختارها لنفسه بعد الاحتلال الصليبي) مسؤولا شرعيا عاما لجيش أنصار السنّة.

وقدّر الله أن يتم اللقاء بين الشيخين أبي مصعب الزرقاوي وأبي إيمان تقبلهما الله، فأحبّ كلٌّ منهما الآخر، وفرح كل منهما بأن الآخر على عقيدته ومنهجه السليم، وكان الاتجاه العام للمجاهدين في (أنصار السنة) آنذاك السعي لتوحيد الصف والاجتماع تحت إمرة الشيخ الزرقاوي والانضمام إلى صفوف (تنظيم القاعدة)، فضغطوا على قيادتهم لتحقيق ذلك، وجهد الشيخ أبو إيمان بنفسه لتنسيق اجتماع مباشر يضم أميري الجماعتين، وهذا ما تم له، حيث اجتمع الشيخ الزرقاوي بأمير (أنصار السنة) أبي عبد الله الشافعي، والذي امتنع عن توحيد الجماعتين متعلّلا بالرغبة في استشارة جنوده، رغم علمه المسبق برأيهم وأنهم هم من كان يدفع لجمع الكلمة وتوحيد الجماعتين ببيعة (أنصار السنة) لـ (تنظيم القاعدة) آنذاك، وهنا أعلن الشيخ أبو إيمان بيعته للشيخ الزرقاوي وانضمامه إلى صفوف (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)، ومن ورائه بايع القسم الأعظم من مجاهدي (أنصار السنة)، في واحدة من أكبر البيعات في تاريخ الجهاد في العراق والتي عرفت حينها ببيعة «الفاتحين»، حيث اختار الشيخ أبو مصعب الشيخ أبا إيمان نائبا له في إمارة التنظيم، ولكنه ما لبث أن اعتقله الصليبيون، وأودعوه زنازين سجن أبي غريب، ليأذن الله له بالخروج بعد شهور وقد أعمى أبصارهم عنه، فلم يعرفوا شخصيته الحقيقية، ولم يعرفوا الدور الذي كان يلعبه في ساحة القتال المشتعلة عليهم.

كانت وسائل الإعلام الصليبية تشنّ حملة شرسة لتشويه سمعة المجاهدين في العراق وعلى رأسهم الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبّله الله- وإخوانه، وشارك في تلك الحملة أمراء الفصائل الضالّة وقادة حزب الإخوان المرتدين «الحزب الإسلامي»، وخاصة بعد أن أصبح اسم الشيخ الزرقاوي ملء السمع والبصر، وصار وجود مجاهدي (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) سداً منيعا في وجه كل مشاريع الخيانة من أولئك الضالّين الذين أعلنوا ردّتهم، ومما زاد من هموم الشيخ الزرقاوي ما كان يبلغه من انتقادات مصدرها القائمون على تنظيم القاعدة في خراسان، لا تدع مجالا للشك في أنّهم كانوا يصدّقون ما يثار في الإعلام الصليبي من شائعات ضد مجاهدي العراق، ولكن لانكشاف أمر معظم الفصائل ووضوح انحرافاتها مبكّرا، لم يكن أمام هؤلاء إلا الشكوى من سوء العلاقة بين الشيخ الزرقاوي وإخوانه و(أنصار السنّة)، فقد كان قادة (أنصار السنة) على اتصال دائم مع عطية الله الليبي عن طريق إيران، حيث كان للطرفين فيها موطئ قدم ونقاط تواصل، وأمام حالة الحزن التي انتابت الشيخ الزرقاوي -تقبله الله- من معاملة بعض القائمين على قاعدة خراسان له، وسوء ظنهم به، وبسبب صعوبة التواصل معهم، كان الخيار الأفضل لديه أن يرسل مبعوثا من قبله إليهم، ليبيّن لهم حقيقة ما يجري في العراق ويكشف لهم حقيقة افتراءات أمراء (أنصار السنة) على المجاهدين، ولم يكن في نظر الشيخ الزرقاوي -رحمه الله- من هو أفضل من الشيخ أبي إيمان لإنجاز هذه المهمّة، لكونه نائبا له، ولعلمه، وقدره، ولكونه كان المسؤول الشرعي السابق لتلك الجماعة المفترية (أنصار السنة)، فهو الأعرف بحالهم وخفايا أمرهم، فاستجاب الشيخ لطلب أميره، ومضى إلى خراسان، حيث التقى بالقائمين على قاعدة خراسان وشرح لهم حقيقة ما يجري في أرض العراق، وعاد بعد ذلك ليطلع الشيخ الزرقاوي على أحداث تلك الرحلة، والنتائج التي تحققت من خلالها.

وفي الوقت الذي كان الجيش الصليبي الأمريكي يترنح في العراق، كانت مشاريع أهل الضلال أيضاً تتشكل على الأرض، وكل منهم يحاول أن يسرق ثمرة الجهاد في العراق بتلاعب شياطين «السرورية» ومخابرات الحكومات العربية المرتدة وخاصة في الخليج، فكان ردّ الشيخ الزرقاوي وإخوانه الإسراع في تطوير مشروعهم ليصلوا به إلى جمع خيرة الفصائل عقيدة ومنهجا في إطار واحد بما فيها (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)، وأُطلق على هذا الإطار الجامع مسمى (مجلس شورى المجاهدين في العراق)، وحصل الاتفاق على أن تكون إمارة هذا المجلس دورية بين الفصائل المشكّلة له، ووقع الاختيار هنا على الشيخ أبي إيمان ليكون أول أمير لمجلس شورى المجاهدين، حيث ألقى بنفسه البيان الأول لهذا المجلس واتخذ لنفسه اسما حركيا هو (عبد الله بن رشيد البغدادي) الذي اشتهر حينها على وسائل الإعلام.

وفي شهر ربيع الأول من عام 1427 هـ، قدّر الله أن يحضر الشيخ أبو إيمان من الشمال، ليلتقي مع بعض مسؤولي التنظيم وليذهبوا جميعا للقاء الشيخ الزرقاوي في حزام بغداد الجنوبي، وفي إحدى المحطات على الطريق، حدث إنزال أمريكي على المنزل الذي استقروا فيه، وقد كانوا خرجوا من المدينة إلى ريف بغداد بغير سلاح بسبب اضطرارهم إلى سلوك طريق عليه الكثير من الحواجز، فاعتقلهم الصليبيون بقدر من الله بعد اشتباك مع مجموعة من الاستشهاديين كانوا في مضافة بجوارهم وقصْف مقرهم، وبالتالي اكتشفت الاستراحة التي كان فيها الشيخ أبو إيمان مع إخوانه، وكانت تلك من أقسى الضربات الأمنية التي تعرض لها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.

وفي السجن أعمى الله أبصار المحققين مجددا عن حقيقة أغلب من وقع بأيديهم من مسؤولي التنظيم، ولما رأى الصليبيون حرص الإخوة على الشيخ أبي إيمان (وكان الأمريكيون في فترة اعتقاله يسمونه الحاج إيمان)، واجتهادهم في إبعاد التهم عنه، ورغبتهم بتخليصه بأي وسيلة، ولو بأن يتحمل بعضهم كل المسؤولية، انتابتهم الشكوك حوله، وزاد من تأثير تلك الشكوك ما رأوه من وقار الشيخ وهدوئه، فزادوا من بحثهم حول شخصيته وهم على يقين بأنه شخص مهم في التنظيم، إلا أن الله خيّب مساعيهم وكان أكثر ما توصّلوا إليه أن عرفوا انتماءه إلى التنظيم فظنوا أنه أمير تلعفر، حيث كان الشيخ يعمل في مدينته بطريقة شبه علنية، لكونه معروفا في تلك المنطقة.

فمكث في السجن بضع سنين، قضاها متنقلا بين سجون ومعتقلات الأمريكيين من جنوب العراق إلى شمالها، فلا يمكث في عنبر من سجن فترة، حتى ينقلوه إلى عنبر آخر، ثم لا يلبثون أن يسفّروه من هذا السجن إلى سجن آخر بعيد، لعلمهم بتأثيره على المعتقلين، ولما كانوا يشاهدونه من تحلقهم حوله في كل مكان يدخل إليه، وكاد الصليبيون أن يقتلوا الشيخ في سجنه، حين قُتل أحد المرتدين في عنابر السجن ولم يعرفوا المحرّض على ذلك، ولكن نجاه الله بفضله من كيدهم، واستمروا في محاولة إنهاكه بالتنقّلات، وهم لا يعلمون أنهم يخدمونه بذلك أعظم خدمة، فكلما انتقل إلى مكان جديد فُتحت له ساحة جديدة للدعوة والتعليم، وكان يركز جلّ دعوته على توحيد الله في حكمه وما ينقضه من شرك الطاعة وشرك القصور والدستور، فلا يحلّ في مكان إلا ويحدِّث أصحابه حديث يوسف عليه السلام، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، فيجتمع عليه الإخوة لينهلوا من علمه، وليكون لهم أميرا ومرجعا في الأمور كلها، إذ درس عليه في تلك الفترة كثير من جنود الدولة الإسلامية، منهم الواليان البطلان اللذان جعلهما الله عذابا على الرافضة في بغداد، مناف الراوي وحذيفة البطاوي تقبلّهما الله.

وفي فترة سجنه تلك جرت أحداث هامة في تاريخ الجهاد في العراق، إذ انتقل الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبّله الله- إلى ديالى لتهيئة الأوضاع لإقامة الدولة الإسلامية، لكنه قُتل على يد الصليبيين قبل أن يعلن عن قيامها بنفسه، ليستلم الراية من بعده الشيخ أبو حمزة المهاجر، تقبله الله، والذي أعلن حلّ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وأعلن البيعة للشيخ أبي عمر البغدادي -تقبله الله- أوّل أمير لدولة العراق الإسلامية، ومن تلك الأحداث الجسام الردة الجماعية للفصائل والتنظيمات التي دخلت في مشروع الصحوات الأمريكي، وضاقت الأرض على الموحدين، واستحرّ القتل في المجاهدين، حتى قُتل الشيخان أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، تقبّلهما الله، ليأخذ الراية الشيخ أبو بكر البغدادي حفظه الله، وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ دولة العراق الإسلامية.

خرج الشيخ أبو علي الأنباري في بدايات تلك المرحلة الهامّة التي كانت أبرز معالمها دخول مجاهدي دولة العراق الإسلامية إلى الشام بعد الموجة التي عمّت الكثير من بلدان المسلمين وأطلق عليها (ثورات الربيع العربي)، وتمدد الدولة الإسلامية إلى الشام، لتقوم بذلك الدولة الإسلامية في العراق والشام، ليشارك -رحمه الله- في صناعة الكثير من الأحداث الهامة حتى مقتله، بعد أن قرت عينه بإقامة الدين، وعودة الخلافة، وهذا ما سنتناوله -بإذن الله- في حلقة أخرى من سيرته العطرة، تقبله الله.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 41
الثلاثاء 28 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله) [4/4] وفي شهر ...

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله)
[4/4]

وفي شهر ربيع الأول من عام 1427 هـ، قدّر الله أن يحضر الشيخ أبو إيمان من الشمال، ليلتقي مع بعض مسؤولي التنظيم وليذهبوا جميعا للقاء الشيخ الزرقاوي في حزام بغداد الجنوبي، وفي إحدى المحطات على الطريق، حدث إنزال أمريكي على المنزل الذي استقروا فيه، وقد كانوا خرجوا من المدينة إلى ريف بغداد بغير سلاح بسبب اضطرارهم إلى سلوك طريق عليه الكثير من الحواجز، فاعتقلهم الصليبيون بقدر من الله بعد اشتباك مع مجموعة من الاستشهاديين كانوا في مضافة بجوارهم وقصْف مقرهم، وبالتالي اكتشفت الاستراحة التي كان فيها الشيخ أبو إيمان مع إخوانه، وكانت تلك من أقسى الضربات الأمنية التي تعرض لها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.

وفي السجن أعمى الله أبصار المحققين مجددا عن حقيقة أغلب من وقع بأيديهم من مسؤولي التنظيم، ولما رأى الصليبيون حرص الإخوة على الشيخ أبي إيمان (وكان الأمريكيون في فترة اعتقاله يسمونه الحاج إيمان)، واجتهادهم في إبعاد التهم عنه، ورغبتهم بتخليصه بأي وسيلة، ولو بأن يتحمل بعضهم كل المسؤولية، انتابتهم الشكوك حوله، وزاد من تأثير تلك الشكوك ما رأوه من وقار الشيخ وهدوئه، فزادوا من بحثهم حول شخصيته وهم على يقين بأنه شخص مهم في التنظيم، إلا أن الله خيّب مساعيهم وكان أكثر ما توصّلوا إليه أن عرفوا انتماءه إلى التنظيم فظنوا أنه أمير تلعفر، حيث كان الشيخ يعمل في مدينته بطريقة شبه علنية، لكونه معروفا في تلك المنطقة.

فمكث في السجن بضع سنين، قضاها متنقلا بين سجون ومعتقلات الأمريكيين من جنوب العراق إلى شمالها، فلا يمكث في عنبر من سجن فترة، حتى ينقلوه إلى عنبر آخر، ثم لا يلبثون أن يسفّروه من هذا السجن إلى سجن آخر بعيد، لعلمهم بتأثيره على المعتقلين، ولما كانوا يشاهدونه من تحلقهم حوله في كل مكان يدخل إليه، وكاد الصليبيون أن يقتلوا الشيخ في سجنه، حين قُتل أحد المرتدين في عنابر السجن ولم يعرفوا المحرّض على ذلك، ولكن نجاه الله بفضله من كيدهم، واستمروا في محاولة إنهاكه بالتنقّلات، وهم لا يعلمون أنهم يخدمونه بذلك أعظم خدمة، فكلما انتقل إلى مكان جديد فُتحت له ساحة جديدة للدعوة والتعليم، وكان يركز جلّ دعوته على توحيد الله في حكمه وما ينقضه من شرك الطاعة وشرك القصور والدستور، فلا يحلّ في مكان إلا ويحدِّث أصحابه حديث يوسف عليه السلام، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، فيجتمع عليه الإخوة لينهلوا من علمه، وليكون لهم أميرا ومرجعا في الأمور كلها، إذ درس عليه في تلك الفترة كثير من جنود الدولة الإسلامية، منهم الواليان البطلان اللذان جعلهما الله عذابا على الرافضة في بغداد، مناف الراوي وحذيفة البطاوي تقبلّهما الله.

وفي فترة سجنه تلك جرت أحداث هامة في تاريخ الجهاد في العراق، إذ انتقل الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبّله الله- إلى ديالى لتهيئة الأوضاع لإقامة الدولة الإسلامية، لكنه قُتل على يد الصليبيين قبل أن يعلن عن قيامها بنفسه، ليستلم الراية من بعده الشيخ أبو حمزة المهاجر، تقبله الله، والذي أعلن حلّ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وأعلن البيعة للشيخ أبي عمر البغدادي -تقبله الله- أوّل أمير لدولة العراق الإسلامية، ومن تلك الأحداث الجسام الردة الجماعية للفصائل والتنظيمات التي دخلت في مشروع الصحوات الأمريكي، وضاقت الأرض على الموحدين، واستحرّ القتل في المجاهدين، حتى قُتل الشيخان أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، تقبّلهما الله، ليأخذ الراية الشيخ أبو بكر البغدادي حفظه الله، وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ دولة العراق الإسلامية.

خرج الشيخ أبو علي الأنباري في بدايات تلك المرحلة الهامّة التي كانت أبرز معالمها دخول مجاهدي دولة العراق الإسلامية إلى الشام بعد الموجة التي عمّت الكثير من بلدان المسلمين وأطلق عليها (ثورات الربيع العربي)، وتمدد الدولة الإسلامية إلى الشام، لتقوم بذلك الدولة الإسلامية في العراق والشام، ليشارك -رحمه الله- في صناعة الكثير من الأحداث الهامة حتى مقتله، بعد أن قرت عينه بإقامة الدين، وعودة الخلافة، وهذا ما سنتناوله -بإذن الله- في حلقة أخرى من سيرته العطرة، تقبله الله.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 41
الثلاثاء 28 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً