✍️قَالَ رسُولُ ﷺ : ((فيُضرَبُ الصِّراطُ بينَ ظَهْراني جَهَنَّمَ فأكونُ أوَّلَ مَن يَجوزُ من ...

✍️قَالَ رسُولُ ﷺ :
((فيُضرَبُ الصِّراطُ بينَ ظَهْراني جَهَنَّمَ فأكونُ أوَّلَ مَن يَجوزُ من الرُّسُلِ بأمَّتِه، ولا يَتَكَلَّمُ يَومَئِذٍ أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلامُ الرُّسُلِ يومَئِذٍ: اللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ))

((أخرجه البخاري))(807)و ((مسلم)) (182)
📱 رقم خدمة فوائد علمية:
للتواصل أو الاشتراك عبر واتساب:
🇸🇩 +249100802323
...المزيد

✍️قال ابنُ رجب: ((إذا طُهِّرَ المُؤمِنُ من ذُنوبِه في الدُّنيا لَم يَجِد حَرَّ النَّارِ إذا مَرَّ ...

✍️قال ابنُ رجب:
((إذا طُهِّرَ المُؤمِنُ من ذُنوبِه في الدُّنيا لَم يَجِد حَرَّ النَّارِ إذا مَرَّ عليها يَومَ القيامةِ؛ لأنَّ وِجدانَ النَّاسِ لَحرِّها عِندَ المُرورِ عليها بحَسَبِ ذُنوبِهم، فمَن طُهِّرَ من الذُّنوبِ ونُقِّي منها في الدُّنيا جازَ على الصِّراطِ كالبَرقِ الخاطِفِ والرِّيحِ ولَم يَجِد شَيئًا من حَرِّ النَّارِ ولَم يُحِسَّ بها))

((لطائف المعارف))(ص:325)
📱 رقم خدمة فوائد علمية:
للتواصل أو الاشتراك عبر واتساب:
🇸🇩 +249100802323
...المزيد

✍️قال ابنُ رَجَب: ((إنَّ الإيمانَ والعَمَلَ الصَّالِحَ في الدُّنيا هو الصِّراطُ المُستَقيمُ في ...

✍️قال ابنُ رَجَب:
((إنَّ الإيمانَ والعَمَلَ الصَّالِحَ في الدُّنيا هو الصِّراطُ المُستَقيمُ في الدُّنيا الذي أمرَ الله العِبادَ بسُلوكِه والِاستِقامةِ عليه، وأمرَهم بسُؤالِ الهِدايةِ إليه، فمَنِ استَقامَ سَيرُه على هذا المُسقيمِ في الدُّنيا ظاهرًا وباطِنًا، استَقام مَشْيُه على ذلك الصِّراطِ المَنصوبِ على مَتنِ جَهنَّمَ، ومن لَم يَستَقِم سَيرُه على هذا الصِّراطِ المُستَقيمِ، بَلِ انحَرَفَ عنه إمَّا إلى فتنةِ الشُّبُهاتِ أو إلى فتنةِ الشَّهَواتِ، كان اختِطافُ الكَلاليبِ له على صِراطِ جَهنَّمَ بحَسَبِ اختِطافِ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ له عن هذا الصِّراطِ المُستَقيمِ، كما في حَديثِ أبي هُريرةَ: إنَّها تَخطَفُ النَّاسَ بأعمالِهم))

((التخويف من النار)) (ص:240)
📱 رقم خدمة فوائد علمية:
للتواصل أو الاشتراك عبر واتساب:
🇸🇩 +249100802323
...المزيد

✍️قال ابنُ تَيميَّةَ: الصِّراطُ مَنصوبٌ على مَتنِ جَهنَّمَ، وهو الجِسرُ الذي بينَ الجَنةِ ...

✍️قال ابنُ تَيميَّةَ:
الصِّراطُ مَنصوبٌ على مَتنِ جَهنَّمَ، وهو الجِسرُ الذي بينَ الجَنةِ والنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ عليه على قَدرِ أعمالِهم:
- فمنهم مَن يَمُرُّ كلَمحِ البَصَرِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كالبَرقِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كالفَرَسِ الجَوادِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كرِكابِ الإبلِ.
- ومنهم مَن يَعدو عَدْوًا.
- ومنهم مَن يَمشي مَشيًا.
- ومنهم مَن يَزحَفُ زَحفًا.
- ومنهم مَن يُخطَفُ فيُلقى في جَهَنَّمَ؛ فإنَّ الجِسرَ عليه كَلاليبُ تَخطِفُ النَّاسَ بأعمالِهم.
((العقيدة الواسطية ص:99))
📱 رقم خدمة فوائد علمية:
للتواصل أو الاشتراك عبر واتساب:
🇸🇩 +249100802323
...المزيد

🌃رسائل الفجر١٤٤٧/٢/١٠🌃 قال علي بن أبي طالب وهو يرثي أبا بكر: «كنتَ للمؤمنين أبًا رحيمًا إذ صاروا ...

🌃رسائل الفجر١٤٤٧/٢/١٠🌃
قال علي بن أبي طالب وهو يرثي أبا بكر: «كنتَ للمؤمنين أبًا رحيمًا إذ صاروا عليك عيالًا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، ورعيت ما أهملوا، وحفظت ما أضاعوا لعلمك بما جهلوا»
🔻 🔻 🔻
قال علي بن أبي طالب وهو يرثي أبا بكر بعد وفاته: «كنتَ على الكافرين عذابًا صبًّا، وللمسلمين غيثًا وخصبًا، وللمؤمنين رحمة وأنسًا وحصنًا، وعلى المنافقين غليظًا وغيظًا وكظمًا، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف»
🔻 🔻 🔻
دخل علي وابن عباس، على عمر بن الخطاب في مرض موته، فلما نظر إليه ابن عباس بكى، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بالجنة، قال: تشهد لي بذلك؟ فكأنه كَع، فضرب علي بن أبي طالب منكبه وقال: أجل! فاشهد، وأنا على ذلك من الشاهدين، فقال عمر: كيف؟ قال ابن عباس: كان إسلامك عزًا، وولايتك عدلًا، وميتتك شهادة، فقال: لا والله لا تغروني من ربي وديني، ثكلت عمر أمه إن لم يرحمه ربه. (من كتاب السنة لأبي بكر الخلال)
https://t.me/azzadden
...المزيد

طاعة الغفَّار بكتمان الأسرار الحمد لله الذي نوَّع لعباده الابتلاءات ليرى امتثالهم لأوامره في ...

طاعة الغفَّار بكتمان الأسرار


الحمد لله الذي نوَّع لعباده الابتلاءات ليرى امتثالهم لأوامره في جميع الأحوال، والصلاة والسلام على رسوله الذي آتاه الحكمة، فكان يتصرف وفقها في الجهر والإسرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن مما ابتلى الله به عباده وخاصة المجاهدين أمر حفظ الأسرار والتثبت من الأخبار، وهناك أمور شرعية ومصالح عامة وخاصة يحب الله فعلها علناً وجهراً، ومنها ما يُستحب كتمانه ومنها ما يجب إخفاؤه، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].


• صلاح الأحوال بكتمان الأسرار

من المعلوم لدى العقلاء أن هناك أموراً لا يصلح أن تكون معلنة، ولذلك يستأمن الناس بعضهم بعضاً على إسرارها، فأمور السياسة والحرب لا يمكن أن تكون كلأً مباحاً لكل الناس، يتكلم عن تفاصيلها الجميع أهل الشأن وغيرهم ممن لا مصلحة له في معرفة الأسرار، بل المفسدة متحققة بنشر الإنسان كل ما يصله من أخبار وإفشائه للأسرار، فلدولة الإسلام أعداء كثر متربصون يبحثون عن كل ثغرة لاستغلالها، ولذلك يستخدمون جواسيسَ ظاهرهم الإسلام ليصلوا إلى الأسرار والمخفيات، وقد صار للجاسوسية عالم كبير من الأجهزة والوسائل والأشخاص، ومن المؤسف أن يقوم مسلمون بل ومجاهدون بخدمة الأعداء دون قصد بأن لا يقيموا وزناً للمعلومات والأخبار التي يجب أن تبقى سرية، فيسارع الواحد إلى التفكه والتسلية في المجالس بحكاية الأخبار، وربما يحاول أن يبرز نفسه بأنه يعرف ما لا يعرفه غيره، ويصل إلى ما لا يصل إليه غيره، ويدعي مكانة ليست حقيقية، وهذا داءٌ خطير يقدح في إخلاص المسلم ويفسد قلبه وعمله، بل يتعدى فساده إلى المصلحة العامة للجماعة والدولة.


• الحفاظ على معنويات المجاهدين بكتمان ما يضرهم سماعه

في غزوة الأحزاب، لما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- لقاء حيي بن أخطب ببني قريظة، أرسل الزبير بن العوام يستطلع الأمر، فرجع فقال: يا رسول الله رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدداً من الصحابة فيهم سيد الأوس سعد بن معاذ وسيد الخزرج سعد بن عبادة، وقال لهم: (انطلقوا حتى تنظروا أحقٌ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه ولا تفتُّوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس).

فلما ذهبوا إليهم جاهروهم بالعداوة وقالوا: مَن رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، وتشاتموا مع الوفد، فرجع الوفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: عضل والقارة، أي: كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع، فكبَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: أبشروا يا معشر المسلمين بنصر الله وعونه.

راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حال المعركة نفوس الناس، وحرص على ألا يسمع المجاهدون إلا ما يقوي قلوبهم ويشجعهم على القتال، ومثل هذا الخبر وهو غدر بني قريظة سيعلم به المسلمون، وأول ما سمعوا من النبي القائد -صلى الله عليه وسلم- أنه كبَّر وبشَّر المسلمين بالنصر والعون من الله، فبهذا التصرف الحكيم من النبي -صلى الله عليه وسلم- ترتفع معنويات المؤمنين ويزداد يقينهم وإيمانهم وتعلق قلوبهم بالله، فلا يضرهم بعد ذلك أن يصلهم خبر نقض بني قريظة للعهد، فبدلاً من أن يتأثر الصحابة سلباً بالخبر يتأثرون إيجاباً، لأنهم يرون سنة الله في نصره للرسل وأتباعهم وهي تجري عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وهذا ما جعل المسلمين يستبشرون بنصر الله فيقولون لما رأوا الأحزاب: {هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 22]، وما زادهم تحشد الكفار وتحزبهم عليهم إلا إيماناً بوعد الله لهم بالنصر وتسليماً لأمر الله الحكيم العليم.


• خطورة الأسرار العسكرية

(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) [رواه مسلم].

هذا منهج وضعه لنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الأخبار، في حالَي السلم والحرب، والأمر حال الحرب أعظم خطراً، فلا يصح أن نقبل أو ننقل كل خبر دون تثبت ودون نظر في المصلحة الشرعية لجماعة المسلمين، بل نتثبت ونبحث عن مصدر الخبر، وننظر هل يصح نشر الخبر أم لا، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) [متفق عليه].
وهناك أمور عامة كخطط المعارك ومواعيدها وأخبار الانتصارات أو المصائب فهذه مما يختص أولياء الأمور بالنظر والبت فيها، لا يصح للأفراد من الجنود والرعية التساهل في قبولها أو نقلها أو تحليلها، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]، عاب الله -تعالى- في هذه الآية على هؤلاء المتساهلين في إذاعة الأخبار ونشرها والحال أنها تمس المصلحة العامة لجماعة المسلمين، وأمر بردِّ هذه الأخبار إلى أهل الاختصاص من أولي الأمر والخبرة ليحللوها ويروا ما يصح نشره مما لا يصح، وبيَّن -تعالى- أن رد الأمور إلى أهلها هو شأن المهتدين المنتفعين بفضل الله ورحمته، وأن من لا يتبعون هذا المنهج الرباني يخسرون فضل الله ورحمته وهم بأمس الحاجة إليهما، ويتسلط عليهم الشيطان فيضلهم ويرديهم.


• الصِدِّيق يحفظ سر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتوفي بالمدينة، فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبِلتُها [رواه البخاري].


• حفظ الأسرار خلق فاضل وإفشاؤها من الرذائل

ومن الحِكَم: سرك دمك. وقالوا: "مِن وَهْي الأمر -أي ضعفه- إعلانه قبل إحكامه" وقال بعض الشعراء:

قد أركب الهول مسدولاً عساكره
وأكتم السرّ فيه ضربة العنق

نسأل الله أن يوفقنا لخدمة دينه والحفاظ على دولة الإسلام وأسرارها، وأن يثبتنا فيها حتى نلقاه وهو راض عنا، والحمد لله رب العالمين.
 
 
صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

الوقاية من أسباب الانتكاسات الحمد لله الذي يثبِّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ...

الوقاية من أسباب الانتكاسات


الحمد لله الذي يثبِّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، ويُضل الظالمين ويفعل ما يشاء، والصلاة والسلام على رسوله الذي كثيراً ما كان يدعو (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن غاية خلق الله للإنسان أن يعبد الله ويستمر على عبادته حتى يلقاه فيفوز برضاه، وعلى هذا المعنى يدُلُّ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، يريد الله منا أن نثبُت على تقواه حتى يأتينا الأجل ونحن على الإسلام، وهذا يتطلب من المسلم أموراً، منها أن يسأل الله الثبات على دينه، فكما أنه بحاجة إلى الهداية، هو بحاجة إلى الثبات عليها حتى الممات، وهذا داخل في دعاء المسلم في كل ركعة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، والذي ينتفع بهذا الدعاء العظيم هو من يكون طالباً للهداية والثبات مستشعراً حاجته إليهما، خائفاً من الضلال بعد الهدى، غير مُعجب بعمله، بل يعترف بفقره إلى الله، ويُقرُّ بنعم الله عليه التي أعظمها الهدايةُ إلى الصراط المستقيم ومخالفةُ المغضوب عليهم والضالين.


• العلم الشرعي معين على الثبات

كما على المسلم كي يرزق الثبات أن يتعلم العلم الشرعي الذي به يعرف ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال حتى يتقي الله حق التقوى، والعلم الشرعي مبني على أصلين هما الكتاب والسنة، كما فهمهما سلف هذه الأمة، قال ابن القيم، رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله
قال الصحابة هم أولو العرفان

ثم عليه بعد ذلك أن يحرص على العمل بما علم، فلا تحقيق للتقوى بلا علم، ولا تحقيق لها بلا عمل بالعلم الشرعي.


• الخوف من الانتكاس

ويجب أن يبقى المسلم خائفاً من الانتكاس على عقبيه، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من الخصال التي يجد المؤمن بها حلاوة الإيمان: (أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) [متفق عليه]، وقد أخبرنا -تعالى- أن الراسخين في العلم يخافون من العودة في الكفر والزيغ بعد إذ نجَّاهم الله منهما، ويدعون الله -تعالى- قائلين: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8].

وعليه أن يحقق التقوى بفعل جميع ما أوجبه الله وترك كل ما حرَّم على عباده، وتعاهُد النية لتكون الأعمال خالصة لوجه الله تعالى، وإلا لم تقبل. فإن وقعت منه معصية اعترف لله بذنبه وبادر إلى التوبة والعودة إلى الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].


• الحذر من أسباب الانتكاسات

وإذا لم يحذر المسلم أسباب الانتكاسات أصابته في مقتل، وأعظم الخسارة خسارة الدين، قال حذيفة، رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني" [صحيح البخاري].


• ومن أسباب الانتكاسات:

- اتباع الهوى وترك الهدى المستفاد من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، والخطر كل الخطر في الإعراض عن العمل بالحق بعد معرفته، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63].

قال الإمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله: (أي قول النبي، صلى الله عليه وسلم) أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك". وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، وقد يعاقب الله العاصي بأن يضله ويوقعه فيما هو أكبر من المعصية، كما عاقب الذي في قلبه مرض ولم يسع إلى مداواته بأن زاده مرضاً حتى صار من أهل النفاق الأكبر والعياذ بالله، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10].- ومنها: اتباع الأئمة المضلين من قادة وعلماء، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 3 - 4]، والعلماء منهم من هو كالدواء للناس، ومنهم من هو سبب مرضهم وهلاكهم، لأن الناس تسمع لهم وتقتدي بهم، ويظن البعيدون عن الحق أن العلماء جُنة من عذاب الله ولو كانوا من أئمة الضلال! فيقول بعضهم: "اجعل بينك وبين النار عالماً"، وقد قطع الله حجة من يتبع المضلين ولو كانوا من أهل العلم الشرعي، بأن بيَّن -سبحانه- أنه سيسألنا عن اتباعنا للأنبياء لا للعلماء، وأن العلماء الذين ينفعهم علمهم وينتفع الناس بهديهم هم أشد الناس خشية لله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وأخبرنا -سبحانه- عن علماء أهل الكتاب الذين لبَّسوا الحق بالباطل وكتموا الحق واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله، وذلك لنحذر من تضليل من يشابههم من علماء هذه الأمة، وأخبرنا -سبحانه- عن تبرؤ المتبوعين المضلِّين من علماء وقادة من أتباعهم، وتمني الأتباع أن تكون لهم كرة أخرى فيتبرؤوا من أئمتهم المضلين، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166 - 167]، فواجب المسلم أن يتحرى العالِمَ الذي يتبعه ويستفتيه، وينظر في حاله من حيث التقوى والبعد عن الشبهات والشهوات المحرمة.

- ومنها: عدم تعويد النفس على ترك التعلق بالدنيا، وقد أهلك هذا الأمر خلاصةَ الناس وخاصَّتهم وهم علماء كانوا أعرف الناس بالحق وعرفوا ما في اتباعه من الثواب، وما في الإعراض عنه من العقاب، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175 - 176].

- ومنها: عدم تعاهد القلب حتى يقسو فتجمد العين وتضعف التقوى، وخاصة بعد طول الأمد، لأن الإنسان إذا انتقل من الغفلة والضلال إلى التمسك بالدين يكون في أول الأمر متحمساً للحق مقبلاً عليه بقوة، ولكن هذا الحماس يضعف مع الأيام ويعقبه فتور، فإن لزم المسلم طاعة الله وجاهد نفسه وهواه نجا بإذن الله تعالى، وإن أدى به الفتور إلى العودة إلى ما كان يألف من معاص قبل هدايته فهذا يهلك والعياذ بالله إن لم يتغمده الله برحمته، جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال (إن لكل شيء شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه) [رواه الترمذي وقال حسن صحيح]. وقال –تعالى- محذراً من مشابهة أهل الكتاب في قسوة القلوب، وأن الواجب أن يحرص المسلم على خشوع قلبه لذكر الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

وهذا الموضوع يحتاج إلى استعراض جوانب أخرى كثيرة لمحاولة استيفاء الكلام عنه، ولعل الله أن ييسر ذلك في مقالات قادمة، وبالله التوفيق وهو المستعان.

نسأل الله -تعالى- أن يثبتنا على دين الإسلام ونصرته ونصرة دولته حتى نلقاه، ونسأله –تعالى- أن يمن علينا بالنصر على القوم الكافرين، والحمد لله رب العالمين



صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

يا أهل إيران استمسكوا بالعروة الوثقى يختبئ طواغيت إيران خلف عباءة ثورية لبسوها ليخدعوا بها ...

يا أهل إيران استمسكوا بالعروة الوثقى


يختبئ طواغيت إيران خلف عباءة ثورية لبسوها ليخدعوا بها الحمقى والمغفلين، ويستثيروا إليها السذج الجاهلين، مستندين في ذلك إلى حقيقة أن نظامهم الكفري بُنِي على أساس الاستيلاء على السلطة عقب الثورة على طاغوت إيران الأسبق الشاه البهلوي.

وقد بلغ بهم الغرور ذات يوم أن اعتقدوا أن ما تحقق لهم في إيران يمكن أن يتكرر في كل بلدان المسلمين، وذلك تحت شعار تصدير الثورة، الذي دفعوا ثمنه غاليا، قبل أن يستفيقوا من سكرتهم، ويبدؤوا التخطيط لمشروع طويل الأمد، يحقق لهم الانتشار لدينهم، والتمدد لنفوذهم، وتحقيق ما راموه في عقود، بعد أن يئسوا من الحصول عليه في سنين.

وقد كانت تلك "الثورية" أهم مرتكزات النظام الكافر الحاكم لإيران في سعيه لإثبات "شرعيته" وأحقيته بحكم البلاد، فالشعب الإيراني هو الذي جاء بهذا النظام -بحسب هذه الرؤية- من خلال ثورته على الشاه، وموافقته على الدستور الذي قام عليه النظام الذي يحكم اليوم، والذي من أهم أسسه الطاعة لمن يسمونه "الولي الفقيه" الذي يعتبر بمثابة النائب عن "الإمام الغائب" المزعوم في فترة غيبته، التي ينتظر الرافضة انتهاءها منذ عشرة قرون أو يزيد.

وتحت هذه الطاعة المفروضة على سكان إيران، حتى من لا يدين منهم بدين الرافضة، استباح "الولي الفقيه" وأتباعه دماء الناس، وأموالهم، بل وأعراضهم، ومن عارض أي شيء من ذلك أو أراد الخروج عليه، حكموا عليه بأنه من "أعداء الثورة" ليناله من جراء ذلك ما يناله من عقوبات يشرِّعها طواغيت الرافضة باسم رب العالمين.

واليوم تخرج المظاهرات في مختلف مناطق إيران، سواء منها التي يسكنها الرافضة المشركون، أو التي ينتسب سكانها إلى الإسلام والسنة، ضد حكم الولي السفيه، منادين بإسقاطه، ومستعلنين بالخروج عليه، لتكون بمثابة ثورة على النظام الذي يسمي نفسه "ثوريا"، واحتجاجا شعبيا ضد من يزعم أنه جاء إلى الحكم بمشيئة "الشعب" ورضاه.

وهذه المظاهرات وإن كانت غير واضحة المعالم حتى الساعة، والخارجون فيها -أغلبهم- لا ينشدون منها إقامة حكم تكون كلمة الله فيه هي العليا، فإن الرسائل التي صدرت منهم هي في غاية الأهمية، وقد فهمها طواغيت إيران جيدا، هم وأتباعهم وأنصارهم، ولذلك فإنهم لن يسمحوا لهذه الحركة أن تكبر أكثر، ولو بذلوا في سبيل ذلك ما بذلوه من دماء المؤيدين لهم، وسفكوا ما سفكوه من دماء الخارجين عليهم.

وإن أهم الرسائل التي يخشى طواغيت إيران تسربها، هي كفر الناس بحكم "الولي الفقيه" الذي يشرِّع لهم من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، لكونه نائبا عن "الإمام الغائب" المزعوم الذي جعلوه نِدَّا لله -سبحانه- بما أعطوه من صفات لا تليق إلا بالعزيز الحكيم، ليس التشريع إلا واحدة منها فحسب، حيث كثُر صياح المتظاهرين بإسقاط الطاغوت (علي خامنئي) الذي يشغل منصب "الولي الفقيه"، وهو ما يعني -وبلا شك- رفض الاعتراف بشرعية حكمه، والكفر بمنظومة الكفر التي تنبني كلها على أساسه.

وإن هذا الأمر ستكون له نتائج كبيرة -إذا ما تحقق بإذن الله- تنسف دين الرافضة كله، إذ إن نظرية حكم "الولي الفقيه" جاءت أصلا لإنقاذ دين الرافضة الذي هدَّ أركانَه يأسُ الروافض من خروج مهديهم المزعوم، كما إن فرص إعادة تطبيق هذا النظام في أماكن أخرى من العالم ستكون ضئيلة جدا، بعد فشله وسقوطه في أرض مهده، ومستند قوته، إيران.

وإن من الواجب اليوم دعوة الرافضة في إيران وغيرها إلى نبذ حكم "الولي الفقيه"، بل وكل مراجعهم المتألهين عليهم، والكفر بكل الطواغيت الذين يُعبَدون من دون الله، وبكل أتباعهم، والإيمان بالله وحده رب العالمين، ومنه التحاكم لشرع الله وحده، ليستحقوا بذلك وصف المسلمين، وترفع عن رقابهم سيوف الموحدين، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].



صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

وبشِّر الصابرين (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ...

وبشِّر الصابرين

(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرا له) [صحيح مسلم].

إن الله يبتلي العبد ليحط عنه من ذنوبه، ويكفر عنه من سيئاته، وإن الرجل ليبتلى بقدر إيمانه ومنزلته عند الله ومكانه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فمن كان إيمانه قويا اشتد بلاؤه وعظم، ومن كان إيمانه رقيقا خفف الله عنه البلاء ورَحِم، وإن للمحن أشكالا، وللبلاء ألوانا، فقد يبتلى الرجل في النفس أو المال، أو الأهل أو العيال، {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

ولما كان الصحابة أصلب الناس بعد الأنبياء إيمانا، وأصدقهم إسرارا وإعلانا، كان البلاء ولا بدَّ مصيبهم، فوقع بهم ونالوا منه نصيبهم، إذ كان لهم من العذاب أنكاه، ومن التنكيل أعظمه وأقواه، فعن خباب بن الأرت أنه قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسدٌ بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمْشَط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون [رواه البخاري].

ويمر الصحابة -رضوان الله عليهم- بأم عمار زوج ياسر، يسومها المشركون من العذاب ألوانا، فلا يرفعون الظلم عنها لاستضعافهم ولا يكفون عدوانا، ويمر النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- بعمار وأمه وأبيه وقد أُلبسوا في رمضاء مكة دروع الحديد، فيقول: (صبرا آل ياسر، إن موعدكم الجنة) ولا يزيد] سيرة ابن هشام[، وصَبَرَ الصحابة على أذى المشركين حتى ماتوا على دينهم كراما، فكانوا شامة على جبين الصبر وعلى صدر العز وساما.

فيا من عظم عليه البلاء، واشتدت به المحنة واللأواء، وأوصدت دونه الأبواب، وتقطعت به الأسباب، ودخل اليأس إلى قلبه فارتاب، قارن حالك بحالهم، وليكن مآلك كمآلهم، فإن صبرت جزاك الله عظيم الأجر والثواب، وإن نكصت فما لك إلا الخزي والعذاب.

أتنظر إلى هالة الكفار فتهولك؟ {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 13]، أتذوق من بأسهم فتبتئس؟ {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، أم طالك جَهدهم فأجْهَدَك؟ {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]. فحافظ يا طالب الخير على الثبات تسلم، وتسلَّح بالصبر تُفلح وتغنم، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].



صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

ارصدوا المشركين واقتلوهم قال الله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]، قال ...

ارصدوا المشركين واقتلوهم

قال الله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "الرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام".

هي مفردة من مفردات الجهاد تناسب مرحلة المدافعة والإثخان بالكفار بعد أن انحسرت المواجهة المباشرة في مناطق كثيرة، لتدخل عمليات الرصد والقتل موضع التنفيذ في تلك المناطق التي توسعت فيها حشود الشرك والردة تحت طائرات الحلف الصليبي، ثم انفضت عنهم الطائرات ليبقوا تحت مرصد الأسود التي تتربص بهم القتل والأسر، وهذه العمليات الجهادية تعرف في وقتنا الحاضر بالعمليات الأمنية، التي تبدأ برصد الكفار في طرقهم ومسالكهم ومقراتهم ثم الإغارة عليهم قتلا وتنكيلا، وهذا ما يرعب الصليبيين والمرتدين ويقض مضاجعهم لأنه يضعف معنوياتهم ويبث الرعب في جنودهم ثم تؤول إلى سقوط المدن بأيدي المجاهدين.

لقد أصبح اليوم -بفضل الله- من ولاية ديالى وولاية كركوك وولاية صلاح الدين ما يمثل مثلث الموت، وغدا مربعٌ ومستطيلٌ للعذاب هنا وهناك، ليرتعب الكفار ويتجهزوا من جديد لحملاتهم الفاشلة، فهذا ما جناه المشركون بعد حرب السنين التي استنزفت دماءهم وأموالهم، وناحت نوائحهم في كربلاء المنجسة والنجف الأشرك وفي باقي ديار المشركين لأجلها، ولا بد في هذه المرحلة من تكثيف العمل بأمر الله في الرصد والقتل لكل من أشرك به وعادى دينه، فهو العلاج الأنجع لكف جموعهم المشركة عن طلب قتال الموحدين والانكفاء على المدن لحمايتها من السقوط والتخلي عن الأرياف، ولن تكون مدنهم في مأمن حتى ولو أرجعوا كلابهم الهائمة في أرض القتل والنكال، فالمدن هي هدف الموحدين في طلب الفرائس الثمينة بالاغتيالات والنسف والتفجير.

إن حكومة الشرك في بغداد تسعى لخداع الناس بأنها قد أحكمت قبضتها على أمن هذه المدينة ويريدون رفع الحواجز الأمنية، وهذه الخطوة تذكرنا بما فعلوه بعد ظهور صحوات الردة والعار حين ظنوا أنهم قد غلبوا وأحكموا السيطرة، فإذا بغارات الموحدين من أبناء دولة الإسلام قد سامتهم سوء العذاب، فأرجعوا الحواجز بأضعاف مضاعفة، ثم أصبحوا أضحوكة العالم بسبب تكرار الكذب لتبرير فشلهم الأمني، وذلك بعد خطة حصاد الخير التي قطفت رؤوس جنود الردة وضباطهم المشركين، وكانت تقوم هذه الخطة على مبدأ الرصد والقتل الذي أمر الله -تعالى- به، وقد آتت هذه العمليات أكلها في ذلك الوقت بعد أن ظن الصليبيون والمرتدون أنهم غالبون. قال أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبله الله-: "أبشروا يا جنود الله، فإني أحسب أنكم ابتليتم وصبرتم، وزُلزلتم فثبَتُّم، ورميتم فأشخصتم وما انحنيتم، وتكالبوا عليكم فما تفرقتم واجتمعتم، فهنيئاً لكم الأجر في الآخرة والنصر في الدنيا، فإن عجلته بدأت تدور وتجري بأسرع مما كنا نظن، فاعترف العدو بكل أشكاله وأصنافه بأن الفترة التي أعقبت خطتكم خطة حصاد الخير كانت الأقسى عليهم منذ نحو عام، وليس هذا من قبيل المصادفة فعدد قتلى الأمريكان الأكثر ولم يعد يسعفهم قولهم (قُتل في حادث غير قتالي)!... شهورٌ معدودة وستلامسون النصر بأيديكم وترونه بأعينكم كما رأيتموه من قبل ولكن أكثر نقاءً وصفاءً وثباتاً" [عملاء كذابون].

نعم -والله- صدق الأمير الهمام -تقبله الله-، فقد عادت دولة الإسلام بعد التمحيص والابتلاء لتدخل مرحلة النصر والتمكين وقد رأينا النصر ولمسناه كما قال -تقبله الله- حيث امتدت إلى الشام ثم عادت أقوى في العراق وأُعلنت الخلافة، ونحسب محسنين الظن بربنا -جل وعلا- أننا سنلامس نصرا عاجلا بصدق الثلة التي اختارها الله -تعالى- لحمل هذه الأمانة بعد سنيِّ الحرب الضروس، وبعد هذا البلاء والاصطفاء والتمحيص للمجاهدين، فيا فوارس الإسلام وطليعته الأبرار استمروا في الرصد للمشركين وثبوا عليهم وثبة الأسد الغضاب، وأطلقوا المفارز وعاودوا الكرة في المدن والأرياف، فأنتم أهلٌ لهذه الحرب التي فشل الكفار في مواجهة رجالها الكماة، أهل المكارم والطعان، فإنما النصر صبر ساعة، والعاقبة للمتقين، والحمد لله رب العالمين.


صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم • قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العيد: اسم جنس ...

مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

العيد: اسم جنس يدخل فيه كلُّ يوم أو مكان لهم [الكفار] فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يُحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك.

وكذلك حريم العيد: هو وما قبله وما بعده من الأيام التي يُحدثون فيها أشياء لأجله، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال، حكمها حكمُه فلا يفعل شيء من ذلك، فإن بعض الناس قد يمتنع من إحداث أشياء في أيام عيدهم، كيوم الخميس والميلاد، ويقول لعياله: إنما أصنع لكم هذا في الأسبوع أو الشهر الآخر، وإنما المحرِّك له على إحداث ذلك وجود عيدهم ولولا هو لم يقتضوا ذلك، فهذا من مقتضيات المشابهة. لكن يحال الأهل على عيد الله ورسوله ويقضي لهم فيه من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره، فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم.


• الحذر من طاعة النساء في المعصية

وليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وروي أيضا (هلكت الرجال حين أطاعت النساء) [رواه أحمد].


• البدع في أعياد الكفار

أعياد الكفار كثيرة مختلفة، وليس على المسلم أن يبحث عنها، ولا يعرفها، بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال أو يوم، أو مكان، أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان أوالزمان من جهتهم، ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم، فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام، فإنه إذا لم يكن له أصل، فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه، أو يكون مأخوذا عنهم، فأقل أحواله: أن يكون من البدع، ونحن ننبِّه على ما رأينا كثيرا من الناس قد وقعوا فيه:

فمن ذلك الخميس الحقير، الذي في آخر صومهم، فإنه يوم عيد المائدة فيما يزعمون ويسمونه عيد العشاء، وهو الأسبوع الذي يكون فيه من الأحد إلى الأحد؛ هو عيدهم الأكبر، فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات.

فمنه: خروج النساء، وتبخير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب، واتخاذه موسما لبيع البخور وشرائه، وكذلك شراء البخور في ذلك الوقت إذ اتُّخذ وقتا للبيع.....
ومن ذلك: ترك الوظائف الراتبة من الصنائع، والتجارات، أو حلق العلم، أو غير ذلك، واتخاذه يوم راحة وفرح، واللعب فيه بالخيل أو غيرها على وجه يُخالف ما قبله وما بعده من الأيام.
والضابط: أنه لا يحدث فيه أمر أصلا، بل يجعل يوما كسائر الأيام، فإنا قد قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن اليومين اللذين كانا لهم يلعبون فيهما في الجاهلية، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعيِّدون فيه....

وكذلك أعياد الفرس مثل: النيروز والمهرجان، وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أو الأعاجم أو الأعراب، حكمها كلها على ما ذكرناه من قبل .• النهي عن فعل ما يعين الكفار في أعيادهم

وكما لا نتشبَّه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل يُنهى عن ذلك فمن صنع دعوة مُخالفة للعادة في أعيادهم لم تُجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد، لم تُقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم، مثل: إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان به على التشبه بهم كما ذكرناه.

ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مُشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر، فأما مبايعتهم ما يستعينون هم به على عيدهم أو شهود أعيادهم للشراء فيها، فقد قدمنا أنه قيل للإمام أحمد: هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل طور يانور ودير أيوب، وأشباهه يشهده المسلمون، يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه الغنم والبقر والدقيق والبر، وغير ذلك؛ إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم، وإنما يشهدون الأسواق، قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيَعَهم، وإنما يشهدون السوق، فلا بأس.

وقال أبو الحسن الآمدي: "فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره ". نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال: "إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه " لأجلهم فهذا الكلام محتمل؛ لأنه أجاز شهود السوق مطلقا بائعا، ومشتريا؛ لأنه قال: "إذا لم يدخلوا عليهم كنائسهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس " هذا يعم البائع، والمشتري، لا سيما إن كان الضمير في قوله: " يجلبون " عائدا إلى المسلمين، فيكون قد نص على جواز كونهم جالبين إلى السوق.

ويحتمل -وهو أقوى- أنه إنما أرخص في شهود السوق فقط، ورخص في الشراء منهم، ولم يتعرض للبيع منهم؛ لأن السائل إنما سأله عن شهود السوق التي يقيمها الكفار لعيدهم، وقال في آخر مسألته: "يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم " وذلك؛ لأن السائل مهنا بن يحيى الشامي، وهو فقيه عالم، وكان -والله أعلم- قد سمع ما جاء في النهي عن شهود أعيادهم، فسأل أحمد: هل شهود أسواقهم بمنزلة شهود أعيادهم؟ فأجاب أحمد بالرخصة في شهود السوق..

ثم إن الرجل لو سافر إلى دار الحرب ليشتري منها، جاز عندنا، كما دلَّ عليه حديث تجارة أبي بكر -رضي الله عنه- في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، وهي دار حرب، وحديث عمر -رضي الله عنه- وأحاديث أخرى بسطت القول فيها في غير هذا الموضع مع أنه لا بد أن تشتمل أسواقهم على بيع ما يستعان به على المعصية.

فأما بيع المسلمين لهم في أعيادهم، ما يستعينون به على عيدهم، من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو: أن بيع الكفار عنبا أو عصيرا يتخذونه خمرا لا يجوز، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما.


• الركوب مع النصارى المحتفلين بعيدهم

وسئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم، فكره ذلك مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه، وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئا في عيدهم مكافأة لهم ورآه من تعظيم عيدهم وعونا لهم على مصلحة كفرهم...

انتهى - من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم - باختصار.


صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ إن الصدق لا يمكن أن يكون حقيقة ملموسة فيمن يدعيه بمجرد الدعاوى ...

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

إن الصدق لا يمكن أن يكون حقيقة ملموسة فيمن يدعيه بمجرد الدعاوى الخاوية من الأفعال، إلا بعد أن تتجسد تلك الدعاوى واقعا على أرض الجهاد، فلا يكون المرء صادقا إلا حين تسمو نفسه إلى مراقي الفلاح فتسعى بخطوات عملية وتقف موقف الصدق لتثبت ما تدعي أثناء مسيرها في طريق الدعوة إلى الله، الذي حُفَّ بأعظم الكربات والمكاره، فليس الصادق اليوم من يجد الأعذار لنفسه للهروب من مواقف الصدق مع الله -تعالى- حين يشتد البلاء، وليس الصادق من يرمي فشله ونكوصه وانهزامه على مواقف المنهزمين، وليس الصادق من يترك جماعة المسلمين ويتشبث بالأشخاص متذرعا بالذين يَحصُر الحقَّ في أقوالهم وأفعالهم، إنما الصادق الذي لا يرى لنفسه عذرا ولو كان من أهل الأعذار، والصادق لا يأبه بانتكاس من يشار له بالبنان ولو عُدَّ من الأخيار، والصادق هو الذي يتشبث بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بلزوم الجماعة والإمام، وإن تنازع المتنازعون وركبتهم الأهواء فتركوا جماعة المسلمين.

إن دولة الخلافة لا تمضي إلا بأفعال الصادقين الذين يبذلون دماءهم رخيصة في سبيل الله ولا يحسبون حسابا للنتائج بعد ذلك، لأن هذه المواقف هي التي تستجلب النصرين، الشهادة في سبيل الله أو الظهور والتمكين، وكلاهما سبيل بقاء عزة الدين وبقاء كلمة التوحيد فوق كلمات الباطل.

إن أعظم موقف في أول ظهور الإسلام على الكفر هو موقف الصحابة البدريِّين، الذين كان منهم الصحابي الجليل حارثة بن سراقة -رضي الله عنه- الذي قُتل في أول معركة له وهي معركة بدر، فنال أعلى المراتب وحاز أسمى المطالب، وذلك حين أصابه سهم لا يعرف من رماه، فأصاب به الفردوس الأعلى بصدقه مع ربه جل في علاه، حينها جاءت أمه الثكلى لتعرف مصير ابنها الذي لم يكن في نظرها قد فلق بالسيف الهامات، أو سطر تاريخ البطولات، لتسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مصير ابنها القتيل بهذا السهم الذي لا يعرف راميه، أمسلم أم كافر، فعن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتل يوم بدر أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال يا أم حارثة: (إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى) [رواه البخاري].

إن موقف صدق واحد يكفي للوصول إلى دار السعادة، فأولئك الصحابة الكرام الذين وقفوا موقف ساعة من نهار، سموا بالبدريِّين للتعريف بفضيلتهم، فهم أجلُّ الصحابة وأفضلهم وأرفعهم قدرا ومنزلة بين باقي الصحابة الكرام، لأنهم حين وقفوا وقفتهم كانوا قلة في العدد والعدة، فوقفوا موقفا في ذروة ضعفهم المادي، وذروة صدقهم مع الله –تعالى- مواجهين أبناء عمومتهم، متبرئين من شركهم، مناجزين إياهم بالسيوف، فكان فعلهم وجهادهم كما سمَّاه الله -تعالى- الفرقان يوم التقى الجمعان، فأنزل معهم ملائكته لتذود عنهم وتنصرهم، ولم تكن لبعض الأسياف والعصي وبعض الخيالة أن تهزم جموع الكافرين إلا بالصدق في نصرة الدين وترك الملذات والحرص على الحياة.

لقد سما صرح الخلافة بمواقف الصادقين الذين صدقوا عهدهم مع ربهم -نحسبهم والله حسيبهم-، فمن مواقف صدقهم هو وضوح غاية جهادهم من أول يوم بذرت فيه بذرة التوحيد على أرض الرافدين فأثمرت دولة الإسلام، لأن مشيديها نحسبهم من الصادقين الذين لم يرتابوا في دينهم وأخذوا الكتاب بقوة فأبطلوا مناهج الباطل وقاتلوا القريب والبعيد على أساس الولاء والبراء وشيدوا للحق دولة، وقد حفظ الله -تعالى- هذه الدولة فاستمر جهادها حتى قامت بواجب العصر المضيع، وذلك بإعلان الخلافة التي جمعت شتات الصادقين في أصقاع الأرض.

إن الصادقين اليوم هم الذين يمضون في طريقهم لا ينتظرون نتيجة عاجلة، فعاجل ما يريدون أن تُغمض أعينهم لتبصر أعالي النعيم وقناديل العرش بجوار الرحمن جل في علاه، فهم الذين يبذرون بدمائهم بذور التوحيد لتثمر في ربوع أرض الله بالتمكين، فلا ينأون بأنفسهم وينظرون من بعيد أو يقعدون مع النساء والذرية وينتظرون النتائج، بل يرمقون بأفئدتهم الفوز العظيم الذي يعقب التجارة الرابحة، وهو وعد الله -تعالى- الذي وعد به عباده الصادقين بالمغفرة والجنان قائلا في محكم التنزيل: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 12]، ومع هذا الوعد وعد آخر تحبه النفوس وتطلبه وقد جبلت عليه، يمنحه الله بمنه وكرمه لمن شاء من عباده، وهو في قوله –تعالى- بعد الآية السابقة: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13].وبعد كل ما سبق، فلا يخافنَّ موحد على مستقبل هذه الدولة المباركة مهما حصل من النوائب والزلزلة وفقدان الأرض، وحسب كل صادق أن أقر الله عينه برؤية الدين عزيزا محكما بين المسلمين وأبناء الإسلام يناجزون العالم كله عن أمر ربهم جل وعلا، فطوبى لقتلة في سبيل الله بعد هذه العزة وهذا الخير العميم، ولو كان الإمام المجاهد أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله- حيا بيننا فماذا عساه أن يقول بعد أن قال في وقته: "ويكفينا قبل حسم النتيجة أن قرت عيوننا برؤية أبناء الإسلام يثبتون كالجبال الرواسي على خطوط الفلوجة المباركة، ويلقنون الأمة دروساً جديدة في الجلد والصبر واليقين" [وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة].

إن دولة الإسلام كانت ولا تزال تروى بدماء خيرة أبناء المسلمين من مهاجرين وأنصار ممن صدقوا مع ربهم سبحانه، فمن فاته هذا الخير في زمان الفتن والملاحم فقد فاته الخير كله، لأن الثبات وقت الشدائد والرزايا والخطوب هو ديدن الصادقين الذين كتب الله لهم المراتب والمنازل العلا في الجنة بقدر صبرهم على الفتن والابتلاءات، وستبقى ثلة من أولياء الله الصادقين ثابتين مهما تساقط من حولهم المتساقطون حتى يتسلم الراية عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، فيلقى تلك الثلة الثابتة الصادقة فيبشرهم، فبماذا يبشرهم؟ قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- عنهم: (يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة) [رواه مسلم].

فيا أيها الصادق الموحد، يا من رماك الكفار جميعهم عن قوس واحدة وأنت صابر محتسب ثابت، أبشر بدرجة في الجنة تقر بها عينك، ولن تكون تلك الدرجة إلا لمن صبر وظفر بإحدى الحسنين.



صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
10 صفر 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً