الجهل !! الجهل مدخل عظيم من مداخل الشيطان، و لا نبالغ إذا قلنا بأن كل مداخل الشيطان منه تبدأ، ...

الجهل !!

الجهل مدخل عظيم من مداخل الشيطان، و لا نبالغ إذا قلنا بأن كل مداخل الشيطان منه تبدأ، عليه تعتمد و به تقوى، لأن الجاهل لا يعرف مداخل الشيطان فيسدها، و لا مكائده فيُبطلها ، و لا شباكه فيتجنّبها ، فيجتذبه الشيطان بسهولة ، و يتغلب عليه بأدني حيلة.

كما أن الجاهل لا يعرف الخير من الشر، و لا السنة من البدعة، فربما أوقعه في الشر فيحسب أنه خير ، و ربما أوقعه في البدعة و هو يظنها سُنة ؛ و بهذا يكون من الخاسرين : { قل هل نُنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا }. ( سورة الكهف ).

و الجهل يطمس القلب و يعمي البصيرة؛ و من هنا يكون الجاهل للشيطان غرضا فيُوجه إليه سهام الشبهات و سموم الشهوات، فيُرديه قتيل الهوى أسير الشهوة، فإذا وصل إلى تلك الغاية اتخذه الشيطان جندا ينشر به الفساد في الأرض و يصد به الناس عن الحق؛ و بهذا يصير من حزب الشيطان : { ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون }. ( من سورة المجادلة ). و لذا قيل :

و في الجهل قبل الموت موتٌ لأهله 👣👣👣 فأجسامهم قبل القبور قبورُ
و إن امرُؤٌ لم يحيَى بالعلم ميتٌ 👣👣👣 فليس له حتى النشور نشورُ

و من مداخل الشيطان على الجاهل أنه يصده عن طلب العلم؛ و يقول له : أَيجمل بك أن تجلس أمام العالِم جلسة الطالب و أنت قد كبرتَ؟!
فيرضى بالجهل.

قال أبو الحسن الماوردي : ( و ربما امتنع الإنسان عن طلب العلم لكِبَر سنه و استحيائه من تقصيره في صغره أن يتعلم في كبره، فرضي بالجهل أن يكون موسوما به و آثره على العلم أن يكون مبتدئا به. و هذا من خدع الجهل و غرور الكسل؛ لأن العلم إذا كان فضيلة فرغبة ذوي الأسنان منه و الإبتداء بالفضيلة فضيلة ، و لئن يكون شيخا متعلما أولى من أن يكون شيخا جاهلا ).

¶ أدب الدنيا و الدين ¶، ص : 26.

و قد قيل : لَأن تموت طالبا للعلم خير من أن تعيش قانعا بالجهل.

و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( اُغدُ عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا، و لا تكن الخامس فتهلك ).

¶ مختصر المقاصد الحسنة ¶، الحديث رقم : 119.

فإن وجد الشيطان من الجاهل رغبة في العلم قال له : إن تعلمتَ العلم و لم تعمل به كان حجة عليك، فأجمل بك أن لا تتعلمه لكي تخفّ مُؤنتك و يقوى عذرك.
و ما علم المسكين أن العلم هو الذي يكشف عنه ذلك الظلم؛ و يُزيل عنه تلك المِحن ، فهو المرشد و المعين؛ كما قال أحد العلماء : ( طلبنا العلم لغير الله، فأبى العلم أن يكون إلا لله ).

و قال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه : أريد أن أتعلم العلم و أخاف أن أُضيّعه، فقال : ( كفى بترك العلم إضاعة ).

و من العجب أن الشيطان يخيل لبعض الجهّال أنه عالِم؛ و هذا منتهى التلبيس و قمة الغرور.

و قد قسّم الخليل بن أحمد الناس من حيث العلم إلى أربعة أقسام، فقال : ( الرجال أربعة : رجل يدري و يدري أنه يدري؛ فذلك عالِم فاسألوه، و رجل يدري و لا يدري أنه يدري؛ فذلك ناسٍ فذكِّروه ، و رجل لا يدري و يدري أنه لا يدري؛ فذلك مُسترشِد فعلّموه ، و رجل لا يدري و لا يدري أنه لا يدري ؛ فذلك جاهل فارفُضوه ).

و قال أبو القاسم الآمدي :

إذا كنتَ لا تدري و لم تكُ بالذي 👥👥👥 يُسائل من يدري فكيف إذا تدري
جهلتَ و لم تعلم بأنك جاهلٌ 👥👥👥 فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
إذا جئتَ في كل الأمور بغُمة 👥👥👥 فكن هكذا أرضا يدسُّك الذي يدري
و من أعجب الأشياء أنك لا تدري 👥👥👥 و أنك لا تدري بأنك لا تدري

و مداخل الشيطان على الجاهل كثيرة لا نستطيع إحصاءها؛ و يكفيك أن كل المداخل منها تتفرع.
...المزيد

{ اللا أدرية - Agnosticism } مُنافقوا الإلحاد كما يمكن تسمية مُعتنقي هذا الفكر !! كلمة اللا ...

{ اللا أدرية - Agnosticism }

مُنافقوا الإلحاد كما يمكن تسمية مُعتنقي هذا الفكر !!

كلمة اللا أدرية نفي للمعرفة في مبنى المصطلح؛ إذ أُلحق حرف ( a ) لنفي المعرفة كما في المصطلح اليوناني، و قد نحتَ هذه الكلمة الداريني الشهير، البيولوجي الإنجليزي توماس هكسلي - 1825-1895 م - اُشتهر بدفاعه الدوغمائي عن داروين و نظريته.
إذاً.. توماس هكسلي كان على القول بأن الأمور الميتافيزقية لا سبيل لإثباتها أو دحضها ، و إن كان استعماله لمصطلح - لا أدرية - وصفا لمنهج عدم الحسم في غياب الأدلة القاطعة، و ليس بالمعنى المستعمل اليوم في شأن الحكم في أمر وجود الله.

و اللا أدريون يرون أنه من الممتنع القول بوجود الله أو عدمه؛ فهم يُعلقون الحكم في هذا الموضوع؛ و لذلك لواحد من سببين :

١- إما لاستواء حجج الملحدين و المؤلّهة و امتناع الترجيح بينها.

٢- أو لاعتقادهم أن الإنسان غير مهيأ معرفيا لأن يجزم أو يرجح في هذا الموضوع؛ فطبيعة حدود المَلكة الذهنية بعيدة عن أن تتماسّ مع حدود التفكير في هذا الموضوع؛ و لذلك فالحكم في هذا الباب محالٌ عقلا.

و رغم أن اللا أدرية قد تُستعمل أحيانا مرادفة للشكوكية ( Skepticism ) ؛ إلا أن الشكوكية متعلقة تاريخيا - في الأغلب - بالشك في إمكان المعرفة بصورة كلية لا خصوص العلم بوجود الله، خاصة في شكلها اليوناني السّفسطي القديم، علما أن اللا أدرية مرتبطة أساسا بموضوع وجود الله لا المعرفة البشرية في عمومها.

يذهب عدد من أعلام الإلحاد في القرنين الأخيرين إلى نسبة أنفسهم إلى اللا أدرية عند تحقيق طبيعة معتقدهم؛ فهم يُقرون أنهم لا يعلمون إن كان الإله موجودا أم لا؛ لكن لا أدريتهم لا تتخذ صبغة الحياد المعرفي المطلق، و إنما تميل إلى كفة الشك في وجود الإله.
و من هؤلاء الفيلسوف برتراند راسل الذي قال في كُتيب بعنوان : ( هل أنا ملحد أم لا أدري ؟ ) : " كفيلسوف ، إذا كنت أتحدث إلى جمهور فلسفي بحت وجب عليّ القول : إنه يجب أن أصف نفسي بأنني لا أدري؛ لأنني لا أعتقد أن هناك حجة قاطعة يمكن للمرء أن يثبت بها أنه لا يوجد إله. من ناحية أخرى، إذا كان لي أن أنقل الإنطباع الصحيح إلى رجل الشارع؛ فإنني أعتقد أنه يجب علي أن أقول إني ملحد ؛ لأنه عندما أقول : إنه لا يمكن أن تثبت أنه لا يوجد إله ، يجب علي أن أضيف أنه لا يمكن أن تثبت أنه لا توجد آلهة هوميروس ".

و اللا أدريون في سيرهم العملي ملاحدة أو لادينيون، أو بعبارة اللا أدري ويليام سومرست موغام - ١٨٧٤ - ١٩٦٥ م-، الروائي البريطاني الشهير.
على أي.. اللا أدريون حسب عبارته : " النتيجة العملية للا أدرية هي أن تتصرف كما لو أنه لا يوجد إله ".

فاللا أدري حقيقة مطموس البصيرة منكوس الفطرة أكثر من الملاحدة أنفسهم، لأنه فِريته تنهار مع أول سؤال لصَبيٍّ :

و كيف دريتَ بأنك لا تدري؟!

🌿 المَواجع و المصادر :

1- Bertrand Russell, Last Philosophical Testament : 1943-68 / London, New York: Routledge, 1997,p: 91.

2- William Somerset Maugham, The partial view, London, 1954, p: 161.

3- لغز الحياة للدكتور مصطفى محمود

4- براهين وجود الله في النفس و العقل و العلم للدكتور سامي عامري.

5- رواية أرض السافلين - استئناسا - للدكتور أحمد خالد مصطفى.
...المزيد

{ بشارة التوراة بنُبوة محمد صلى الله عليه وسلم } أنزل الله عز و جل التوراة على موسى عليه السلام ...

{ بشارة التوراة بنُبوة محمد صلى الله عليه وسلم }

أنزل الله عز و جل التوراة على موسى عليه السلام محتوية على الشرائع التي تُناسب أهل ذاك الزمن ،و نوّه فيها بذكر كثير من الأنبياء الذين علم الله أنه سيُرسلهم.

فمما جاء فيها تبشيرا برسولنا الكريم خطابا لسيدنا موسى عليه السلام : " و سوف أُقيم لهم نبيا مثلك من بين إخوتهم، و أجعل كلامي في فمه و يكلمهم بكل شيء آمره به، و من لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا الذي أنتقم منه ، فأما النبي الذي يجترئ عليّ بالكبرياء و يتكلم باسمي بما لم آمره به أو باسم آلهة أخرى فليُقتل، و إذا أحببت أن تميز بين النبي الصادق و الكاذب فهذه علامتك إن قاله ذلك النبي باسم الرب و لم يحدث فهو كاذب يريد تعظيم نفسه و لذلك لا تخشاه ".

َو يقول اليهود : إن هذه البشارة ليوشع بن نون خليفة موسى عليه السلام، مع أنهم كانوا ينتظرون في مدة المسيح نبيا آخر غير المسيح ، فإنهم أرسلوا ليوحنا المعمدان - يحي عليه السلام - يسألونه عن نفسه؛ فقالوا له : أنت إيليا؟ فقال : لا، فقالوا : أنت المسيح ؟ فقال : لا، فقالوا : أنت النبي ؟ فقال : لا، فقالوا : ما بالُك إذاً تُعمّد إذا كنت لست إيليا و لا المسيح و لا النبي ؟

فهذه تدل على أن التوراة تبشر بإيليا و المسيح و نبيٍّ لم يأت حتى زمن المسيح.

ثم أن التوراة تقول في صفة النبي أنه مثل موسى، و قد نصت في آخر سفر التثنية على أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى.

و ورد في هذه البشارة أن النبي الذي يفتري على الله يُقتل، و يُشبه ذلك قول الله تعالى في سورة الحاقة : " و لو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ".
و الوتين هو عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.

و نبينا صلى الله عليه وسلم مكث بين أعدائه الألداء من مشركين و يهود ثلاثا و عشرين سنة يدعوهم إلى الله و مع ذلك عصمه الله منهم، و أنزل عليه تطمينا لخاطره في سورة المائدة : " و الله يعصمك من الناس ".
أكان يعجز الله - و هو القادر على كل شيء - أن يعاقب من ينسب إليه ما لم يقله؟! وهو الذي قال في سورة الشورى : " أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك َ يمحُ الله الباطل و يُحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور".

و قد أخبرتنا هذه البشارة عن العلامة التي نعرف بها صدق النبي من كذبه؛ و هي الإخبار بما سيأتي !!

و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة فحدثت كما أخبر عنها ، و منها ما لا ينفع معه الحدس و التخمين كالإخبار بأن الروم سيغلبون بعد أن قهرهم الفرس قهرا شديدا حتى كادوا يحتلون القسطنطينية - عاصمة ملكهم -، فالإخبار إذا بأن الروم سيردون ما فُقد منهم بعد بضع سنين لا يكون إلا من عند الله، و لذلك استغربه جدا بعض المشركين من قريش، و راهَن على ذلك أبا بكر الصديق رضي الله عنه، و قد حقق الله الخبر فاستحق الصديق الرهن، و هذا قليل من كثير الكثير...

و روى القاضي عياض في الشفا أن عطاء بن يسار سأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أجل! و الله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا ، و حرزا للأميين ، أنت عبدي و رسولي سميتك المتوكل؛ ليس بفظ و لا غليظ و لا صخّاب في الأسواق، و لا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو و يغفر، و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله و يفتح به أعينا عميا و آذانا صما و قلوبا غلفا.

و روى مثله عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، و هو الذي كان رئيس اليهود؛ فلم تُعمه الرياسة حتى يترك الدين القويم، و كذلك كعب الأحبار، و في بعض طرق الحديث : و لا صخب في الأسواق و لا قوّال للخنا ، أُسدده لكل جميل، و أهب له كل خلق كريم، و أجعل السكينة لباسه و البر شعاره و التقوى ضميره، و الحكمة مقوله و الصدق و الوفاء طبيعته، و العفو و المعروف خلقه و العدل سيرته و الحق شريعته، و الهدى إمامه و الإسلام ملته، و أحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة و أُعلم به بعد الجهالة، و أرفع به بعد الخمالة، و أُسمي به بعد النكرة و أُكثر به بعد القلة، و أغني به بعد العيلة، و أجمع به بعد الفرقة و أُؤلف به بين قلوب مختلفة و أهواء مشتتة و أمم متفرقة، و أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس.

و قد أخبر صلى الله عليه وسلم عن صفته في التوراة فقال : و هو الصادق الأمين : " عبدي أحمد المختار، مولده مكة و مُهاجَره بالمدينة - أو قال : طيبة - و أُمته الحمّادون الله على كل حال ".

☘ المصادر و المَراجع :

١- الشفا، للقاضي عياض.
٢- سفر التثنية ؛ من الكتاب المقدس - العهد القديم -، الإصحاح : الثامن.
٣- إنجيل يوحنا؛ من الكتاب المقدس - العهد الجديد -، الإصحاح الأول.
٤- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، للشيخ محمد الخضري بك.
٥- استئناسا و ليس توثيقا : رواية أنتيخرستوس ، للكاتب الدكتور أحمد خالد مصطفى.
...المزيد

{ ماتت الفلسفة } شعار ( موت الفلسفة ) الذي أطلقه الفيزيائي Stephen Hawking - المولود سنة 1942، و ...

{ ماتت الفلسفة }

شعار ( موت الفلسفة ) الذي أطلقه الفيزيائي Stephen Hawking - المولود سنة 1942، و توفي سنة 2018 - ؛ و هو عالم فيزياء نظرية إنجليزي، و عضو الجمعية الملكية للفنون، تلقّف هذا الشعار خصوم المؤلهة في الغرب على أنه نصر للعلم على التفكير العقلي المجرد، و أن العلم قد انتهى إلى الإستقلال لنفسه بحقّ معرفة الوجود و الحُكم عليه.

و غنيٌّ عن الإيضاح أن الفلسفة لا يمكن أن تموت ليبقى العلم؛ لسبب ظاهر!! و هو أن العلم لا يمكن أن يقوم دون قاعدة فلسفية أُولى ينطلق منها؛ بل ينتج عنها العلم...

بل أقول : دعك من البحث المختبري، و الرصد الفلكي، و اعلم أنه لا يمكن للمرء أن يحُك رأسه إذا شعر بداعٍ لحكّه حتى يُسلم لمجموعة من مقررات فلسفية أُولى ليس للعلم الطبيعي فيها نصيب، و منها :

1- هل المعرفة ممكنة؛ أم أن الشكوكية هي الحق في عدم إمكان إدراك الحقيقة ، و إذا : هل العلم الصادق بالشعور البغيض الذي يستدعي اليد للحكّ ممكن أم لا؟!

2- هل الوجود الخارجي - جلدة الرأس و اليد بأظافرها - حقيقة موضوعية، و لذلك يجب حكّ الرأس لِكفِّ الشعور البغيض، أم لا حقيقة خارج الدماغ - و هي المشكلة الفلسفية القديمة في أمر وجود عالَم خارج أذهاننا -؟!

3- هل الحواس العب تنقل لنا هذا الإحساس البغيض جديرة بالتصديق؟!

4- هل آلة العقل التي تفسر الشعور بأنه بغيض؛ جديرة بالتصديق؟!

5- هل يجب الوثوق في قانون السببية بما يدفع المرء إلى تحريك يده فوق رأسه حتى يتمكن من حكّ فرْوته استجابة لداعي الحك؟! أم أن السببية وهم من آثار التكرار و التعاقُب كما يقول < هيوم >؟!

6- هل الشعور البغيض هو الشعور البغيض؛ أي : هل علينا أن نثق في قانون الماهية؟!

7- هل الشعور البغيض ليس غير الشعور البغيض؛ و لذلك فإزالة الشعور البغيض تكون بغياب الشعور البغيض - و هذا قانون عدم التناقض الذي يحاول بعض الكموميين إنكاره -؟!

8- الشعور البغيض : إما أن يوجد أو لا يوجد، و لا يوجد خيار ثالث، و هذا هو قانون الثالث المرفوع؛ إذ إن الشيء إما أن يوجد أو لا يوجد، و لا يوجد خيار ثالث، أم إنه علينا أن نبحث في خيار ثالث؛ و رابع؟!

9- إشكالية اختيار الرأي؛ أو ما يُعرف ب < Doxastic voluntarism > .. هل للإنسان قدرة على اختيار أفكاره، أم هو مقُود قسرا إليها ؟! هل الوعي بالإحساس البغيض اختياري أم قسري؟!

و غير ذلك من المتبنيات الفلسفية التي لا سبيل لأن تحُك رأسك قبل أن تقبلها أو ترفضها؛ علما أن هناك من يجادل اليوم في جميع المقولات الفلسفية السابقة التي لا تشك فيها أنت لحظة؛ و لذلك فإن التسليم لهذه المقررات ما عاد بدَهيا، على الأقل عند طائفة من فلاسفة الإلحاد الجديد؛ فكيف إذا يقوم صرح العلم الواسع على غير منظومة فلسفية أوسع و أرسخ؟!

الأمر باختصار : هو أن طائفة من العلماء الذين تشهد كتاباتهم بالعجلة في النظر - و على رأسهم Richard Dawkins و لورانس كراوس و ستيفن هاوكنغ - اقتحموا مجالا غير مجال تخصصهم؛ فجاءت اعتراضاتهم على الإيمان بالله مُغرقة في السطحية التي أحرجت عددا من الفلاسفة الملاحدة؛ حتى قال مايكل روز في مقاله < لماذا أعتقد أن رموز الإلحاد الجديد كارثة عظمى > : " إن كتاب < وهم الإله > لداوكنز لا يرتقي صاحبه لينجح به في مقرر < مدخل إلى الفلسفة > في الجامعة ".

إذا.. الميتافيزيقا مقدمة ضرورية لكل إبستيمولوجيا ، و الإبستيمولوجيا أساسية لكل بحث علمي تجريبي.

🍀 المصادر و المَراجع :

١- Michael Ruse, Why I think the New Atheists are a bloody disaster.

http://www.beliefnet.com/columnists/scienceandthesacred/2009/08/why-i-think-the-new-atheists-are-a-bloody-disaster.html

٢- لغز الحياة للدكتور مصطفى محمود

٣- براهين وجود الله في النفس و العقل و العلم ، للدكتور سامي عامري.

٤- استئناسا و ليس توثيقا : رواية أرض السافلين للدكتور أحمد خالد مصطفى .
...المزيد

{ ما أكرم الله عز وجل به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة } أول منحة من الله عز و جل ما ...

{ ما أكرم الله عز وجل به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة }

أول منحة من الله عز و جل ما حصل من البركات على آل حليمة السعدية الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم مُسترضَعا فيهم، فقد كانوا قبل حلوله عليه السلام بِناديهم مجدبين ؛ فلما صار بينهم صارت غُنيماتهم تؤوب من مرعاها و إن أضراعها لتسيلُ لبنا.

و رحم الله البوصيري حيث يقول في همزيته :

و إذا سخَّر الإله أُناسا £££ لسعيدٍ فإنهم سعداء

ثم أعقب ذلك ما حصل من صدره و إخراج حظ الشيطان منه؛ و ليس هذا بالعحيب على قدرة الله تعالى، فمن استبعد ذلك كان قليل النظر لا يعرف من قوة الله شيئا؛ لأن خرق العادات للأنبياء ليس بالأمر المستحدث و لا المستغرب.

و من المكرمات الإلهية تسخير الغمامة له عليه الصلاة والسلام في سفره إلى الشام حتى كانت تُظله في اليوم الصائف لا يشترك معه أحد في القافلة كما روى ذلك مَيسَرة غلام السيدة خديجة رضي الله عنها الذي كان مشاركا له في سفره، و هذا ما حببه إلى السيدة خديجة رضي الله عنها حتى خطبته لنفسها، و تيقنت أن له في المستقبل شأنا، و لذلك لما جاءته النبوة كانت أسرع الناس إيمانا به، و لم تنتظر آية أخرى زيادة على ما علمته من مكارم الأخلاق، و ما سمعته من خوارق العادات.

و من منن الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم ما كان يسمعه من السلام عليه من الأحجار و الأشجار، فكان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يُرى ببناء، و يفضي إلى الشعاب و بطون الأودية، فلا يمر بحجر و لا شجر إلا سمع : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، و كان يلتفت عن يمينه و شماله و خلفه فلا يرى أحدا ،و قد حدّث بذلك عن نفسه عليه السلام ؛و ليس ذلك كبير إشكال، فقد سخّر الله عز و جل الجمادات للأنبياء قبله : فعَصا موسى عليه السلام التقمت ما صنع سحرة فرعون بعد أن تولت حية تسعى، ثم رجعت كما كانت، و لما ضرب بها الحجر نبع منه الماء اثنتي عشرة عينا، لكل سبط من أسباط بني إسرائيل عين.
و كذلك غيره من الأنبياء سخّر الله لهم ما شاء من أنواع الجمادات لتدل العقلاء على عظيم قدرهم و خطارة شأنهم.

🍂 المَراجع و المصادر :

١- السيرة الحلبية.
٢- القصيدة الهمزية للبوصري.
٣- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، للشيخ محمد الخضري بك.
٤- استئناسا و ليس توثيقا : رواية أرض السافلين للدكتور أحمد خالد مصطفى.
...المزيد

{ حُكم؛ و عقوبة سابِّ الصحابة رضي الله عنهم } اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من ...

{ حُكم؛ و عقوبة سابِّ الصحابة رضي الله عنهم }

اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم ، هل يكفر بذلك و تكون عقوبته القتل ، أو أنه يفسق بذلك و يعاقب بالتعزيز؟!

١ - ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم و طعن في عدالتهم و صرّح ببغضهم وأن من كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه و حل قتله ، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم .

و ممن ذهب إلى هذا القول من السلف :-

الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أبزى ، و الإمام الجليل عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي، و أبو بكر بن عياش ، و إمام التابعين سفيان بن عيينة ، و بقية السلف محمد بن يوسف الفريابي ، و إمام الأئمة بشر بن الحارث المروزي ، و الإمام محمد بن بشار العبدي و غيرهم كثير...

فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة رضي الله عنهم، و بعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل ، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية و الحنابلة والظاهرية .

٢- و ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة رضي الله عنهم لا يكفر بسبهم بل يفسق و يضلل و لا يعاقب بالقتل؛ بل يكفي بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه و يزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب و فواحش المحرمات ، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة.

و ممن يرى بذلك من الأئمة :

خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز ، و الإمام عاصم الأحول ،
و إمام المدينة مالك بن أنس ، و الإمام إسحاق بن راهويه،
و جمع غفير من الأئمة...

فهذه النقول توضح أن طائفة من أهل العلم ذهبوا إلى أن ساب الصحابة فاسق و مبتدع ليس كافراً ، يجب على السلطان تأديبه تأديباً شديداً لا يبلغ به القتل .

و الذي يترجح عندي أن سابّ الصحابة رضي الله عنهم لا يكفر ، لكن هذا ليس على إطلاقه ، وإنما هو مشروط بعدم مصادمة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة الصحيحة ، و عدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق القول بعدم التكفير.

🍁 المصادر و المَراجع :

١- الصارم المسلول على شاتم الرسول ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه.
٢- الشفا، للقاضي عياض.
٣- شرح الإبانة لابن بطة.
٤- النهي عن سب الأصحاب.
٥- استئناسا و ليس توثيقا : رواية أنتيخرستوس للكاتب الدكتور أحمد خالد مصطفى.
٦- رد البهتان عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؛ للشيخ أبي عبد الله الذهبي ( و هو شيخ معاصر و ليس هو الإمام الذهبي ).
...المزيد

{ السؤال عن الإيمان } نشر القائمون على ( الموسوعة البريطانية ) في منتصف القرن العشرين ٥٤ مجلدا ...

{ السؤال عن الإيمان }

نشر القائمون على ( الموسوعة البريطانية ) في منتصف القرن العشرين ٥٤ مجلدا تضم ما تم تسميته ( أعظم كتب العالَم الغربي - Great Books of Western World) ، و هي كتب في الفلسفة و العلم الطبيعي و القانون و اللاهوت... و كان الحديث في الإله أوسع موضوع في هذه الموسوعة. و لما سُئل الفيلسوف الأمريكي المُعمّر؛ و غزير التأليف، عضو American Catholik Philosophical Association ، مورتمر ج. أدلر - و هو أحد القائمين على هذا المشروع و اختيار كتبه بدءا من عصر قدماء اليونان، وُلد سنة ١٩٠٢ ، و توفي عام ٢٠٠١ ميلادية - عن سبب اختيار الموضوع الديني ليكون الأكبر، قال : " لأنه يترتب عدد من العواقب المؤثرة في الحياة و أعمال الإنسان عن تأكيد وجود الله أو إنكاره أكثر من أي مسألة أساسية أخرى".

إن الإنسان كائن متسائل، يسأل لأنه جُبل على ربط الأشياء الدانية بالآفاق البعيدة، و ربط العلل بالمآلات و الحِكم.. يسأل لأن ظواهر الأشياء لا تروي غُلته الدائمة لما بعد الظاهر.. إنه يسأل لأنه يبحث عن الفهم.. و الفهم روح لا تشبع و عمق بلا قاع.. و السؤال عن الوجود المادي و علاقته بالله باب لكل سؤال كبير لاحق.

و قد يقول ملحد أو لا اكتراثي يُغضبه اغتمار نفوس كثير من الناس باللهج بسؤال أصل الوجود ،و حكمة الخلق، و مرسى المآل : الوجود كما نراه محض مادة و طاقة؛ فلما علينا أن نتكلف البحث عن تفسير أولي و غاية نهائية؟!

هو اعتراض يرفض الإندهاش، و تلك خطيئة العقل الأولى و الكبرى، فإن كل انحراف فكري أوله ميل خفيف عن الحق بزلّة واحدة ، ثم تتسع الهُوة بين الخط المستقيم و الخط المائل عنه، و ليس الإلحاد استثناء في هذا الباب.

و قد نظرت في أدلة الإيمان - و هي كثيرة - و تأملتُ في غفلة الملحد عنها، فوجدت عثرة الرجل الكاسرة في الإعتقاد أن الكون بأشيائه ليس ممكنا من الممكنات، و إنما هو شيء موجود و كفى؛ فلا يستدعي نظرا و لا يستفز في الصدق قلقا.

إن الملحد الرافض للإندهاش قانع بما يبديه السطح؛ فلا يسأل عن هذا الكون : لِم وُجد ؟! و لماذا أخذ هذا الشكل و الترتيب؟! و من أين جاء التنظيم و التهذيب؟! و لماذا التركيب و التأليف؟!
و إنما ينطلق من سؤال : إذا كان الله موجودا فلا بد أن يكون الكون في منتهى الكمال المادي و القِيَمي؛ بلا نقص و لا ألم و لا غدٍ و لا هدف..
كل الكمالات قائمة في الإنسان و ما حوله، و ما على الإنسان إلا أن يعُبّ من النعيم عبا، فما نُظم الوجود لغير الإمتاع ، لا شيء وراء ذلك و لا بعده! و من هنا يأتي الخلل، و تورَث الزلة زلات و أوهامها.

من أين يبدأ نظر العاقل؟

من الصفر! من العدم!
ليسأل : لِم كان ما كان؟! و ليس من صورة واهمة للإله و غاياته و خطته في الكون.
يبدأ العقل من حقيقة أولية بسيطة، و هي أن الوجود المادي بأكمله مثير، يستدعي تفسيرا..
فكيف وُجد ؟! و لماذا كان بما هو كائن عليه؟!
السماء الزرقاء البهية، و الوردة العطرة الندية، و البحور الثرية بأشكال الحياة المعجِبة، و الوادي الأخضر المُفعم بالسكينة.. كل ذلك مثير للعحب.. بل العجب الأكبر كائن في ما هو دون ذلك ،و هو وجود الوجود : نفسك، و ما يُقلُّك و يظلك.. لما كان الوجود موجودا؟! لِم لَم يكن العدم الساتر هو القاهر؟!

و من أجمل ما قيل في السؤال الأول قول الكاتب و الصحفي الأمريكي المشهور؛ صاحب القلم الأنيق، إيريك متكساس المتوفى سنة ١٩٦٣، ألّف عددا من الكتب الذائعة في سيرة شخصيات مشهورة مثل اللاهوتيَين مارتن لوثر و بونهوفر، و حاصل على ثلاث شهادات دكتوراه فخرية.

قال : " كلما ازدادت كشوف العلم اتضح أكثر أنه رغم أننا هنا إلا أنه يجب ألا نكون هنا، و نحن عندما نبدأ بحساب كل أدلة ذلك تصبح الإحتمالات العالية ضد إمكان وجودنا مثيرة للقلق، ما الذي علينا أن نفكر فيه أو نشعر به عندما نكتشف الهشاشة الكبيرة لإمكان وجودنا، و نبدأ في فهم كيف أننا - بكل اعتبار - يجب ألّا نوجَد ؟ إن وجودنا لا يبدو فقط مجرد معجزة تكاد تكون مستحيلة، و إنما هو أعظم المعجزات الصارخة التي من الممكن تصورها؛ معجزة تجعل المعجزات المدهشة السابقة تبدو كأنها لا شيء ".

أصل الإشكال إذا هو تجاهل إمكان الإمكان.. ثم تجاهل غرابة الإمكان.. ثم إغفال معجزة الإمكان!

وجودنا معجزة، لكن العقل الغارق في أُلفة الصور و الأعراض؛ لا يستطيع مُجاوزة لحظة مُعايَشة الوجود للنظر في داعي وجوده.

يقول المتكلم المدرسي الفرنسي بيتر أبلار، المولود سنة ١٠٧٩ و المتوفى عام ١١٤٢ ميلادية، و أحد أعلام اللاهوتيين في عصره، الفيلسوف و عالم المنطق : " الطريق إلى الحكمة هو السؤال المستمر و المتكرر".

🍃 المصادر و المَراجع :

١- Ravi Zacharias, The Real Face of Atheism / Grand Rapids, Mich : Baker Books, 2004, p:20.

٢- Eric Metaxes, Miracles : What They Are, Why They Happen, and How They Can Change Your Life / New York : Plume, 2014, p: 54.

٣- براهين وجود الله في النفس و العقل و العلم للدكتور سامي عامري.

٤- استئناسا و ليس توثيقا : رواية أنتيخرستوس للكاتب الدكتور أحمد خالد مصطفى.

صفحتي على الفايسبوك

https://www.facebook.com/profile.php?id=100081019287721
...المزيد

كسر الخصوصية العيدية (١) مع ثورة الإتصالات الحديثة؛ و تزايد الإمتزاج بغير المسلمين، أصلح المسلم ...

كسر الخصوصية العيدية (١)

مع ثورة الإتصالات الحديثة؛ و تزايد الإمتزاج بغير المسلمين، أصلح المسلم يكثر احتكاكه بالحياة اليومية للمجتمعات الغربية، و أصبحت هذه الأمم المهيمنة تسكب على مجتمعاتنا المستضعفة أنماط حياتها في الزي و الطعام و الحفلات و غيرها. و من صور ذلك (أعياد الكفار) التي صار لها حضور في مناخنا الثقافي و الإجتماعي بسبب هذه المتغيرات الإتصالية المعاصرة، و نتيجة لضغط هذه التقاليد الغربية المسيطرة تزايدت الأصوات التي تحاول شرعنة أعياد الكفار، و تأويل المعطيات الشرعية التي تمنع مشاركة الكفار أعيادهم.

و من الأمور التي شدتني كثيرا في السنة النبوية حساسية النبي صلى الله عليه وسلم لموضوع أعياد الكفار، حيث ظهر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حادثة بقضية عدم مشاركة الكفار في أعيادهم، في أكثر من قضية يستحضر النبي صلى الله عليه وسلم بشكل لافت هذه المفاصلة مع الكفار في أعيادهم، و يركز النبي صلى الله عليه وسلم على تعميق التفرد الإسلامي في فعاليات العيد.

لنضع سويا هذه الوقائع النبوية الأربع تحت عدسة البحث، ثم لنحاول استخلاص المعنى الكلي فيها :

⛔ الواقعة الأولى :
لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجدهم و لهم يومان يلعبون فيهما، و يمارسون احتفالا اجتماعيا، لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الموضوع يمر مرورا عابرا، بل سألهم عن دوافع هذا الإحتفال؛ فقال لهم النبي :" ما هذان اليومان؟" فقالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فلم يقل النبي : لا بأس ؛الأهم أن لا يقع في الإحتفال منكر، لا؛ بل أوقف هذا الإحتفال و همّ في خِضم فعالياته، و قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى و يوم الفطر". أخرجه أبو داود.

⛔ الواقعة الثانية :
أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نذر أن ينحر إبلا في موضع في الحجاز يقال له :(بوانة)، فجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسأله النبي عدة أسئلة كإجراء احترازي للإباحة ، و كان منها أن سأله النبي قبل أن يفتيه بالجواز بهذا السؤال :" هل كان فيها - أي : في بوانة - عيد من أعيادهم- أي : الكفار-؟"، فقال الرجل : لا ، فقال له النبي :" أوف بنذرك". أخرجه أبو داود.

⛔ الواقعة الثالثة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد الفعاليات العيدية الإسلامية أطلق حكما كليا عاما يكرس الخصوصية العيدية فقال :" إن لكل قوم عيدا، و هذا عيدنا ". متفق عليه.

⛔ الواقعة الرابعة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار مرة إلى أيام المناسك و أكد استحضار الخصوصية العيدية من جديد فقال :" يوم عرفة و يوم النحر، و أيام التشريق؛ عيدنا أهل الإسلام". أخرجه الترمذي.

حسنا!!
دعنا نحاول استخلاص المعنى الكلي في هذه الوقائع النبوية الأربع ،لا أظنك تخالفني على الدهشة من شدة استحضار النبي صلى الله عليه وسلم لقضية الخصوصية العيدية، و أن موضوع العيد لم يكن في التصور الشرعي الذي يقدمه النبي صلى الله عليه وسلم مجرد شأن اجتماعي لا صلة للدين به، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلط الضوء على القضية بطرق مختلفة، فمرة يقول لهم و هم يحتفلون :" أبدلكم بهما خيرا منهما" ، حتى أن هذين العيدين الجاهليين اليثربَين ماتا كما يذكر المؤرخون.

و قد طرح ابن تيمية تحليلا تاريخيا بديعا حول سر اختفاء هذين العيدين الجاهليين!!
يقول أين تيمية :"فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا عهد خلفائه ، و لو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما و نحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بقوا على العادة، إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها، لا سيما و طباع النساء و الصبيان و كثير من الناس متشوقة إلى اليوم الذي يتخذونه عيدا للبطالة و اللعب، و لهذا قد يعجز كثير من الملوك و الرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم؛ لقوة مقتضيها من نفوسهم، و توفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، و لو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتا ".
المصدر : اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، بتحقيق : ناصر عبد الكريم العقل (١/ ٢٣٥).

و مرة يطلق النبي شعار الخصوصية العيدية الإسلامية (لكل قوم عيد و هذا عيدنا)، و يقول في حادثة مشابهة :" عيدنا أهل الإسلام "، و هي لغة افتراق واضحة في موضوع العيد، و أنه ليس شأنا مدنيا يشترك الناس فيه، بل هو من الخصوصيات الشعائرية الدينية التي تتمايز فيها الأمم.

هذه الوقائع النبوية الأربع أثّرت في فقه الصحابة و التابعين و أتباعهم؛ و من بعدهم، حتى أن عمر بن الخطاب قال :" اجتنبوا أعداء الله في عيدهم". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
بل إن عمر بن الخطاب في الشروط العمرية الشهيرة اشترط على أهل الذمة أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، و كانت أعيادهم هما : الباعوث و الشعانين ، حيث جاء في شروط عمر على أهل الذمة :" و ألا نخرج باعوثا، - قال : و الباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى و الفطر - و لا شعانين". ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة بتحقيق يوسف البكري و شاكر العارودي.

بل إن ابن عباس و خمسة من التابعين معه : ابن سيرين و أبو العالية، و طاوس و الضحاك ،و الربيع بن أنس، استنى وا من قوله تعالى :" و الذين لا يشهدون الزور "أنه يدخل فيه أعياد الكفار كما نقل ذلك أهل التفسير بالمأثور،و أحدهم ابن كثير في تفسير القرآن (٦ /١٣٠). باعتبار أن عيد الكفار زور فلا يجوز شهوده.
...المزيد

لما كانت الفلاسفة قريبا من زمان شريعتنا؛ و الرهبنة كذلك مدّ بعض أهل ملتنا يده إلى التمسك بهذه ،فترى ...

لما كانت الفلاسفة قريبا من زمان شريعتنا؛ و الرهبنة كذلك مدّ بعض أهل ملتنا يده إلى التمسك بهذه ،فترى كثيرا من الحمقى إذا نظروا في باب الإعتقاد تفلسفوا، و إذا نظروا في باب الزهد ترهبنوا.

وثق البعض في قوة ذكائهم و فطنتهم فاعتقدوا أن الصواب اتباع الفلاسفة لكونهم حكماء قد صدرت منهم أفعال ...

وثق البعض في قوة ذكائهم و فطنتهم فاعتقدوا أن الصواب اتباع الفلاسفة لكونهم حكماء قد صدرت منهم أفعال و أقوال دلت على نهاية الذكاء و كمال الفطنة كما يُنقل من حكمة سقراط و أبقراط و أفلاطون و أرسطا طاليس و جالينوس ،و هؤلاء كانت لهم علوم هندسية و منطقية و طبيعية و استخرجوا بفطنهم أمورا خفية إلا أنهم لما تكلموا في الإلهيات خلطوا، و لذلك اختلفوا فيها و لم يختلفوا في الحسيات و الهندسيات، و قد ذكرت في منشوراتي السابقة جنس تخليطهم في معتقداتهم، و سبب تخليطهم أن قوى البشر لا تدرك العلوم إلا جملة؛ و الرجوع فيها إلى الشرائع.

هؤلاء هم : الكندي و الفارابي و ابن سينا و الطوسي و الرازي الطبيب ،و كل من تأثر بفكر أرسطو و سقراط، فراحوا يؤلفون في كتبهم و يترجمونها، فسُمي الفارابي بالمعلم الثاني حيث ترجم كتب أرسطو، و الذي حاول التوفيق بين الدين و الفلسفة.
و منهم ابن رشد الذي جنح إلى هذه الأكاذيب، و قد كانوا جميعا موضع انتقاد من الأمة، و كثير منهم مات تائبا من بدعته و على صدره المصحف أو صحيح البخاري نادما على ما كان منه.
و سُموا ب(حكماء الإسلام) نظرا لأن الحكمة قديما كان يعنى بها الفلسفة، و تفسير كلمة فلسفة باليونانية هي : فيلوسوفيا، و السوفيا الحكمة ، و فيلو : المحب، فالفيلسوف هو المحب للحكمة.

قال أحدهم في صفة الدنيا :

أتُراها صنعة من غير صانع *** أم أتُراها رمية من غير رام

قصد برمية الرام العبثية في الخلق، و هو محال على الله تعالى عن أقوالهم علوا كبيرا.
...المزيد

أنكرت الفلاسفة بعث الأجساد و رد الأرواح إلى الأبدان؛ و وجود جنة و نار جسمانيين، و زعموا أن تلك ...

أنكرت الفلاسفة بعث الأجساد و رد الأرواح إلى الأبدان؛ و وجود جنة و نار جسمانيين، و زعموا أن تلك أمثلة ضُربت لعوام الناس ليفهموا الثواب و العقاب الروحانيين، و زعموا أن النفس تبقى بعد الموت بقاء سرمديا أبدا، إما في لذة لا توصف و هي الأنفس الكاملة، أو ألم لا يوصف و هي النفوس المتلوثة، و قد تتفاوت درجات الألم على مقادير الناس، و قد ينمحي عن بعضها الألم و يزول.

قلتُ : نحن لا ننكر وجود النفس بعد الموت؛ و لذلك سمي عودها إعادة، و لا أن لها نعيما و شقاء، و لكن ما المانع من حشر الأجسام؟!
و لم ننكر اللذات و الآلام الجسمانية في الجنة و النار، و قد جاء الشرع بذلك، فنحن نؤمن بالجمع بين السعادتين و بين الشقاوتين الروحانية و الجسمانية، و أما الحقائق في مقام الأمثال فتحكّم بلا دليل.

فإن قالوا : الأبدان تتحلل و تُؤكل و تستحيل.
قلنا : القدرة لا يقف بين يديها شيء على أن الإنسان إنسان بنفسه، فلو صُنع له البدن من تراب غير التراب الذي خُلق منه لم يخرج عن كونه هو هو، كما أنه تتبدل أجزاؤه من الصغر إلى الكِبر و بالهزال و السمن.

فإن قالوا : لم يكن البدن بدنا حتى يرقى من حالة إلى حالة إلى أن صار لحما و عروقا.
قلنا : قدرة الله تعالى لا تقف على المفهوم المشاهد، ثم قد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الأجسام تنبت في القبور قبل البعث.

روى البخاري و مسلم رحمة الله عليهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين النفختين أربعون، قالوا : يا أبا هريرة : أربعون يوما؟ قال : أبيت، قالوا : أربعون شهرا؟ قال : أبيت، قالوا : أربعون سنة؟ قال : أبيت، قال : ثم يُنزل ماء من السماء فينبتون كما ينبت البقل، قال : و ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا و هو عَجْبُ الذنب، منه خُلق، و منه يُركّب الخلق يوم القيامة.

و عجب الذنب عظم لطيف في أسفل الصلب؛ و هو رأس العصعص.
...المزيد

لقد أوهم اللعين خلقا كثيرا أنه لا إله و لا صانع ،و أن هذه الأشياء كانت بلا مكون، و هؤلاء لما لم ...

لقد أوهم اللعين خلقا كثيرا أنه لا إله و لا صانع ،و أن هذه الأشياء كانت بلا مكون، و هؤلاء لما لم يدركوا الصانع بالحس و لم يستعملوا في معرفته العقل جحدوه.
و هل يشك ذو عقل في وجود صانع؟!

فإن الإنسان لو مر بقاع ليس فيه بنيان؛ ثم عاد فرأى حائطا مبنيا علم أنه لابد له من بانٍ بناه.
فهذا المهاد الموضوع، و هذا السقف المرفوع، و هذه الأبنية العجيبة، و القوانين الجارية على وجه الحكمة؛ أما تدل على صانع؟!

و ما أحسن ما قال بعض العرب : إن البعرة تدل على البعير.
فهيكل علوي بهذه اللطافة، و مركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلان على اللطيف الخبير؟!

ثم لو تأمل الإنسان نفسه لكفت دليلا ؛و لشفت غليلا، فإن في هذا الجسد من الحكم ما لا يسع ذكره في أسطر فايسبوكية.

من تأمل تحديد الأسنان لتقطع، و تقريض الأضراس لتطحن ،و اللسان يقلب الممضوغ و تسليط الكبد على الطعام ينضجه، ثم ينفذ إلى كل جارحة قدر ما تحتاج إليه من الغذاء.

هذه الأصابع التي هُيئت فيها العُقل لتُطوى و تنفتح، فيمكن العمل بها، و لم تُجوَّف لكثرة عملها ،إذ لو جُوِفت لصدمها الشيء القوي فكسرها ،و جعل بعضها أطول من بعض لتستوي إذا ضُمت.

و أخفى في البدن ما فيه قوامه، و هي النفس ؛التي إذا ذهبت فسُد العقل الذي يرشد إلى المصالح.

و كل شيء من هذه الأشياء ينادي : أفي الله شك؟!
و إنما يخبط الجاحد لأنه طلبه من حيث الحس.

و من الناس من جحده لأنه لما أثبت وجوده من حيث الجملة لم يدركه من حيث التفصيل؛ فجحد أصل الوجود ،و لو أعمل هذا فكره لعلم أن لنا أشياء لا تُدرك إلا جملة كالنفس و العقل ،و لم يمتنع أحد من إثبات وجودهما.
و هل الغاية إلا إثبات الخلق جملة ؟!
و كيف يُقال : كيف هو أو ما هو؟
و لا كيفية له و لا ماهية.

و من الأدلة القطعية على وجود أن العالَم حادث بدليل أنه لا يخلو من الحوادث، و كل ما لا ينفك عن الحوادث حادث، و لا بد لحدوث هذا الحادث من مسبب؛ و هو الخالق سبحانه.

و للملحدين اعتراض يتطاولون به على قولنا : لابد للصنعة من صانع؛ فيقولون : إنما تعلقتم في هذا بالشاهد و إليه تقاضيكم.
فنقول : كما أنه لابد للصنعة من صانع، فلا بد للصورة الواقعة من الصانع من مادة تقع الصورة فيها، كالخشب لصورة الباب، و الحديد لصورة الفأس.
قالوا : فدليلكم الذي تثبتون به الصانع يوجب قِدم العالم.
فالجواب : أنه لا حاجة بنا إلى مادة، بل نقول : إن الصانع اخترع الأشياء اختراعا، فإنا نعلم أن الصور و الأشكال المتجددة في الجسم مصورة الدولاب ليس لها مادة، و قد اخترعها و لابد لها من مصور. فقد أريناكم صورة و هي شيء جاءت لا من شيء و لا يمكنكم أن ترونا صنعة جاءت لا من صانع.
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً